نساء تركيا بلا حماية.. تداعيات الانسحاب من اتفاقية إسطنبول

الانسحاب من اتفاقية إسطنبول

الانسحاب من اتفاقية إسطنبول

أنقرة-«تركيا الآن»

مطلع الأسبوع الجاري، نشرت الجريدة الرسمية التركية مرسوما رئاسيا موقعا من رجب طيب أردوغان، يقضي بانسحاب أنقرة من اتفاقية مناهضة العنف ضد المرأة بعد أن كانت أول الموقعين عليها.

وقوبل القرار برفض شديد من قادة الأحزاب السياسية في البلاد، الذين أكدوا في بيانات مختلفة وقوفهم مع المرأة التركية ضد ما تتعرض له من ظلم.

واعتبرت الحركات النسائية التركية أن من كان يفترض به أن يحمي النساء، يأخذ قرارًا بموجبه يسمح لكل فرد أن يمارس العنف ضدها.

في التقرير التالي يكشف موقع «تركيا الآن» تفاصيل وتداعيات انسحاب تركيا من الاتفاقية التي تحميهن من العنف!

منتصف الليل.. الانسحاب من اتفاقية إسطنبول!

استيقظت نساء تركيا لتجد أن الرئاسة التركية أصدرت، مرسومًا جاء فيه أن الجمهورية التركية قررت من جانبها الانسحاب من اتفاقية المجلس الأوروبي المعنية بوقف العنف ضد المرأة والعنف الأسري، التي تم توقيعها في 11 مايو 2011، وتمت المصادقة عليها في 10 فبراير 2012 بقرار من مجلس الوزراء.

وجدير بالذكر أن النظام هدد غير مرة بالانسحاب من تلك الاتفاقية، وقال نائب مدينة إسطنبول بالبرلمان التركي عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، نعمان كورتولموش، في وقت سابق، إنه سيتم اتخاذ إجراءات لإنهاء العمل بهذه الاتفاقية، وهو ما أثار الخوف والهلع لدى السيدات التركيات على حياتهن وحياة أطفالهن، خاصة مع ارتفاع معدلات العنف ضد المرأة.

سبب الانسحاب.. «المثلية الجنسية»!

زعمت الرئاسة التركية أن تركيا كانت أول دولة موقعة على الاتفاقية، مظهرة التزامها القوي بمكافحة جميع أشكال العنف ضد المرأة وحماية مكانتها في المجتمع. وأوضحت أن الاتفاقية كانت تهدف في البداية إلى التشجيع على تعزيز حقوق المرأة، لكن تم التلاعب بها من قبل شريحة تحاول تطبيع المثلية الجنسية التي تتعارض مع قيم تركيا الاجتماعية والعائلية.

ولفتت الرئاسة في بيانها إلى أن قرار الانسحاب من الاتفاقية يستند إلى هذا السبب، وأنها ليست الدولة الوحيدة التي لديها هواجس كبيرة بشأن الاتفاقية، فهناك 6 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهي بلغاريا والمجر والتشيك ولاتفيا وليتوانيا وسلوفاكيا، لم تصدق على هذه الاتفاقية.

وبرر نائب الرئيس التركي، فؤاد أوقطاي، الانسحاب بأنهم مصممون على المضي قدمًا في الكفاح الصادق لرفع كرامة واحترام المرأة التركية في المجتمع إلى المستويات التي تستحقها، من خلال الحفاظ على النسيج الاجتماعي التقليدي.. «لهذا الغرض السامي، ليست هناك حاجة للنظر إلى الخارج أو تقليد الآخرين. الحل في تقاليدنا وعاداتنا، في جوهرنا».

ومن جانبه قال وزير الداخلية، سليمان صويلو، حول الانسحاب: «وجودنا في اتفاقية إسطنبول ليس هو ما يجعلنا مسؤولين أمام مجتمعنا في مكافحة العنف ضد المرأة والأسرة ومنع قتل الإناث».

أما من جانبها زعمت وزيرة الأسرة والعمل والخدمات الاجتماعية، زهرة زمرد سلجوق، أن موقف تركيا من مكافحة العنف ضد المرأة واضح دون حاجة إلى الاستناد على نص اتفاقية بعينها، وذلك في تعليقها على الإدانات الدولية لتركيا بعد انسحابها من اتفاقية إسطنبول لمناهضة العنف ضد المرأة ومكافحة العنف الأسري بقرار رئاسي.

وزعمت وزارة الخارجية التركية، أن انسحاب تركيا من «اتفاقية إسطنبول» لا يعني تنازلها عن مكافحة العنف ضد المرأة، وأن ذلك يأتي بناء على انتقادات الرأي العام تجاه الاتفاقية، على الرغم من خروج العديد من المظاهرات الاحتجاجية ضد قرار الانسحاب.

المعارضة التركية: أردوغان المسؤول عن قتل النساء!

قال زعيم المعارضة التركية، كمال كليتشدار أوغلو، حول انسحاب تركيا من اتفاقية إسطنبول: «المسئول الأول عن العنف في تركيا والتحرش بالنساء وقتلهن هو الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لقد تجاهل إرادة الأمة وعمل ضد الدستور والقوانين. ومع استمراره في السلطة يمكنه على سبيل المثال إلغاء معاهدة لوزان. من الواضح أن الرئيس لا يستطيع أن يحكم البلاد بوزرائه، ويجب عقد انتخابات مبكرة بشكل عاجل».

وعلق رئيس بلدية إسطنبول عن حزب الشعب الجمهوري، أكرم إمام أوغلو، قائلًا: «إن هذا يُعد تجاهلًا لنضال النساء لسنوات عديدة. وعلى الرغم من كل شيء، فإن الانتصار سيكون للنساء وليس للعقلية الذكورية».

وأكدت نائبة حزب الشعب الجمهوري التركي في أنقرة، جمزة تاشجي أر، أن نظام الرجل الواحد الذي يقوده الرئيس التركي وزعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان يجر البلاد إلى ظلام دامس، مشددة على أنه يعرض حياة النساء للخطر.

وشنت المرأة الحديدية ورئيسة حزب الخير، ميرال أكشنار، هجومًا حادًا على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بسبب الانسحاب من اتفاقية إسطنبول، مشيرة إلى أن هذه الاتفاقية تطور سياسات فعالة ومؤثرة لمنع العنف ضد المرأة.

وقال المتحدث بحزب الشعب الجمهوري، فايق أوزتراك: «وقّع أردوغان على قرار الانسحاب من الاتفاقية لحماية مقعده وإرضاء بعض العقول في حزبه، وإنه من الآن فصاعدًا، وبعد فسخ اتفاقية إسطنبول، ستكون مسؤولية تعرض أي امرأة أو طفل للعنف الأسري أو الاغتصاب أو التحرش، تقع على عاتق أردوغان».

انتفاضات نسائية ضد الانسحاب من اتفاقية إسطنبول!

شهدت عقب ذلك 3 مدن تركية انتفاضة نسائية ضد قرار الرئيس رجب طيب أردوغان، الانسحاب بشكل رسمي من اتفاقية إسطنبول المناهضة للعنف ضد المرأة والعنف الأسري.

واحتشدت مئات النساء في مدن إسطنبول وأنقرة وسينوب للاحتجاج على قرار أردوغان، مرددات «اسحب القرار، وطبق الاتفاقية»، «لتحيا اتفاقية إسطنبول».

وتصدرت هاشتاجات «تحيا اتفاقية إسطنبول» و«تركيا ليست آمنة للنساء»، قائمة الأكثر تداولًا على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، في أعقاب صدور مرسوم رئاسي بالانسحاب من اتفاقية المجلس الأوروبي المعنية بوقف العنف ضد المرأة والعنف الأسري، الموقعة في 11 مايو 2011، والمصدق عليها في 10 فبراير 2012 بقرار من مجلس الوزراء.

استهجان دولي.. نكسة كبيرة وخيبة أمل!

استنكر المجلس الأوروربي انسحاب تركيا من اتفاقية إسطنبول ووصف ذلك بالنكسة الكبيرة. وقالت الأمين العام لمجلس أوروبا، ماريا بيجينوفيتش بوريتش، في بيان نشر على الموقع الرسمي للمجلس، إن «إعلان تركيا انسحابها من اتفاقية إسطنبول لمجلس أوروبا بشأن العنف ضد المرأة خبر مدمر».

وقال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في بيان رسمي، إن اتفاقية إسطنبول هي أول صك دولي ملزم قانونًا لمكافحة العنف ضد المرأة والعنف الأسري. ويهدف إلى ضمان الحماية القانونية الأساسية للنساء والفتيات في جميع أنحاء العالم. وأصبح هذا اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى، حيث ارتفع العنف ضد النساء والفتيات إلى مستويات جديدة في جميع أنحاء العالم نتيجة لوباء كورونا والعديد من النزاعات، حيث تكون النساء الضحايا الأساسيين. وأردف: «حان الوقت الآن لإظهار القيادة وتعزيز الجهود العالمية لمكافحة العنف ضد النساء والفتيات، وليس التراجع.

وأصدر قادة المجلس الأوروبي برئاسة وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس وقادة أوروبا، بيانًا آخر بشأن انسحاب تركيا المعلن من اتفاقية إسطنبول لمناهضة العنف ضد المرأة والعنف الأسري.

وجاء في البيان الرسمي: «كانت تركيا أول دولة تصدق في عام 2012 على اتفاقية مجلس أوروبا بشأن منع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي، التي تم تبنيها في إسطنبول، وبالتالي، فإننا نأسف بشدة لقرار رئيس تركيا بالانسحاب من هذه الاتفاقية الذي حظي بتأييد واسع في البلاد، دون أي نقاش برلماني».

وأكد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أن انسحاب تركيا من اتفاقية إسطنبول لمكافحة العنف ضد المرأة مخيب للآمال.

ووصف بايدن، وفقًا لبيان صادر عن البيت الأبيض، انسحاب تركيا من الاتفاقية بالمفاجئ وغير المبرر.

وأضاف: «في جميع أنحاء العالم، نشهد زيادة في عدد حوادث العنف المنزلي، بما في ذلك تقارير عن ارتفاع معدل قتل الإناث في تركيا، وهي الدولة الأولى التي وقعت على الاتفاقية. يجب أن تعمل الدول على تعزيز وتجديد التزاماتها بإنهاء العنف ضد المرأة، وليس رفض المعاهدات الدولية المصممة لحماية المرأة ومحاسبة المنتهكين. هذه خطوة محبطة بالنسبة للحركة الدولية لإنهاء العنف ضد المرأة على مستوى العالم».

الجولة الأخيرة.. الرئاسة التركية تواجه دعوى قضائية بعد الانسحاب

رفعت نقابة المحامين بأنقرة، دعوى قضائية إلى مجلس الدولة لإلغاء مرسوم رئيس الجمهورية، رجب طيب أردوغان، رقم 3718، لإلغاء اتفاقية إسطنبول المناهضة للعنف ضد المرأة والعنف الأسري، وذلك وفقًا لما ذكره موقع «تي 24» التركي.

وأعلن الرئيس السابق لاتحاد القضاة والمدعين العامين، عمر فاروق أمين أغا أوغلو، رفع دعوى قضائية في مجلس الدولة التركي ضد قرار الرئيس التركي بالانسحاب من «اتفاقية إسطنبول» المناهضة للعنف ضد المرأة والعنف الاسري.

وقال أغا أوغلو، في تغريدة عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «إنه بناء على الدعوة التي أطلقتها خلال البرنامج التلفزيوني الذي شاركت به أمس، رفعت دعوى قضائية باسمي في مجلس الدولة ضد قرار الرئاسة بالانسحاب من اتفاقية اسطنبول، وأرفق عريضة الدعوى التي تقدم بها مطالبًا المواطنين بالسير على نهجه ورفع شكوى مماثلة باستخدام نفس عريضة الدعوى».

شاركنا بتعليقك

تقع المسؤولية الأدبية والقانونية للتعليقات والمساهمات المنشورة على الموقع، على صاحبها، ولا تعبر بأى شكل من الأشكال عن رأى إدارة الموقع