بمشاركة 6 دول.. شركات تركية تروج لصناعاتها الدفاعية في أنقرة
ظاهر العمر.. الشجاع الذي استقل بفلسطين عن العثمانلي
ظاهر العمر
هو واحد من أشهر الأمراء الذين رفعوا رايات الثورة في وجه السلطنة العثمانية، ودوخوا عساكرها خلال القرن الـ18، والذين رغم الخواتيم المحزنة لحيواتهم في ساحات الحرب أمام الأتراك، ظلوا ملهمين للأجيال التالية، والتي لم تفض كفاحها هذه المرة إلا بعد أن نجحت في الاستقلال أخيرًا عن العثمانلي.
هو ظاهر بن عمر الزيداني، ولد في العام 1689 لأسرة هاجرت قديمًا من معرة النعمان شمال سوريا إلى حوران جنوبها. وقد تزوَّج والد ظاهر، الشيخ عمر الزيداني عمر من امرأة من عرب السردية، وأنجبت له كلًّا من: ظاهر وسعد وعلي. وانتقل للعيش في الجليل بفلسطين ثمَّ انتقل بتجارته من الجليل إلى مدينة قيسارية حتى استقر أخيرًا في طبرية.
وفي العام 1698، كلف الأمير بشير الشهابي أحد زعماء جبل لبنان الشيخ عمر الزيداني بجمع الضرائب في مدينة صفد ومحيطها، مطلقا يده وقومه من الزيدانيين في حكم فلسطين. ولكن عمر لم يعمر طويلا في منصبه الجديد، إذ توفي بعد توليه إياه بخمس سنوات فقط في العام 1703.
وعلى الرغم من وجود إخوة كبار للشيخ عمر، فإن ابنه الأصغر ظاهر العمر هو من خلفه في مسؤولياته كحاكم لفلسطين. وكان سبب ذلك رفض إخوة عمر تحمل التزاماته أمام الدولة العثمانية. وقد أبدى ظاهر العمر رغم حداثة سنه همة عالية في النهوض بدويلة أبيه الصغيرة، فقضى نحو عقدين من الزمن يوطد سلطته في صفد، وبدأ يتصرف كما يتصرف الملوك، فاتخذ حاشية وأسس نظاماً عسكرياً وسياسياً وإدارياً لمنطقة حكمه، وأشرك إخوته في أمور الإدارة.
الثورة
وكان ظاهر العمر خلال ذلك يصطدم بملتزمي الضرائب في المناطق المحيطة ممن كانوا يجمعون الجبايات لصالح الخزانة المركزية في إسطنبول عاصمة السلطنة العثمانية، ولكن جدارته في حفظ الأمن جعلت كلاً من الأسر المحلية المنافسة له في سوريا وكذلك الساسة الأتراك أنفسهم في إسطنبول يقدرون أهمية وجوده بالنسبة لهم. ولكن ظاهر العمر الذي كان واقفا على ضعف السلطنة وتراجعها العسكري، بدأ في وضع الخطط للاستقلال السياسي والاقتصادي بفلسطين عن العثمانيين؛ ما أدى إلى دخوله مع الأخيرين في صدام مفتوح.
كانت بداية الصدام مع الأتراك عندما قام ظاهر العمر بتحصين عاصمة مملكته صفد، ثمَّ عندما تمكن في العام 1742 من ضمِّ طبريا لعكا. عقب تلك الخطوات، بدأ ظاهر العمر في انتهاج سياسات اقتصادية منفردة عن القرار المركزي العثماني، فعمل على تحسين اقتصاد المناطق التابعة له، كما شجع على جذب التجار الأوروبيين إلى المدن التي يديرها، وأخيرا عمد إلى احتكار التجارة في المواد الغذائية التي تنتجها ولايته. وهو ما اعتبره العثمانيون تمردا عليهم وخروجا على دولتهم.
ولما بدأت تلوح في الأفق نوايا إسطنبول لإرسال قوة عسكرية للإطاحة بظاهر العمر من فلسطين، سارع الأخير إلى عقد التحالفات الإقليمية لمواجهة الخطر العثماني، وبدأ بعقد تحالف وثيق مع علي بك الكبير الذي استقل بمصر عن السلطنة العثمانية. ونجح الطرفان معا في الحملة التي أنفذها علي بك من القاهرة في اكتساح بلاد الشام وكسر شوكة العثمانيين عبرها. ولم تنته مغامرة الثنائي إلا بخيانة محمد بك أبو الذهب لسيده علي بك الكبير والركون إلى الأتراك. هنا أجبر علي بك وظاهر العمر إلى القتال ضد رفقائهم في السلاح، وانتهي الأمر بموت علي بك الكبير قرب محافظة الشرقية في مصر على يد قوات أبي الذهب.
بعد خسارته حليفه الكبير، تحول ظاهر العمر إلى التحالف مع يوسف الدرزي شيخ الدروز في جبل لبنان، إضافة إلى الأسطول الروسي الذي كان مرابطا في شرق البحر المتوسط ضد العثمانيين. ونجح هذا التحالف في غزو بيروت وطرد الحامية العثمانية منها، والتي كانت تحت قيادة أحمد باشا الجزار.
النهاية وتخليد الذكرى
ولكن القوات العثمانية نجحت مع انسحاب الأسطول الروسي من شرق المتوسط في العودة إلى المدن الشامية التي سيطر عليها ظاهر العمر وحلفاؤه. وقاد أحمد باشا الجزار حملة كبيرة اصطدمت بظاهر العمر في معركة حاسمة سقط فيها الأخير صريعًا في العام 1775.
بعد مقتل ظاهر العمر، تخفَّى أبناؤه وأحفاده عن الأنظار خشيةً من تتبع أحمد باشا الجزار لهم بالقتل فاتجه ابنه علي إلى حوران، ومن حوران ذهب خفية إلى لبنان. كما تجمَّع عدد من أحفاد ظاهر العمر في قرية اسمها ياصيد شمال نابلس في فلسطين داخل مبنى كبير لا يزال موجودا إلى اليوم باسم علالي آل ظاهر يبلغ ارتفاعه حوالي 12 مترًا ومساحته ألف متر مربع تقريبًا.
رغم النهاية المحزنة لمغامرة ظاهر العمر، فإن الذاكرة الجمعية في فلسطين احتفظت للرجل بصورة البطل القومي الذي كان أول من سعى للاستقلال بالبلاد عن العثمانلي. وكان أبرز تجليات تلك الصورة في المخيال الشعبي العربي تلك الرواية التي دونها الروائي الفلسطيني الأصل أردني المولد إبراهيم نصر الله تحت عنوان «قناديل ملك الجليل»، وقصد بها التأريخ لحياة الشيخ ظاهر العمر. فعبر صفحات الرواية يظهر ظاهر العمر بطلا مغوارا، ثار على الأتراك واستقل بمملكته عنهم بشجاعة منقطعة النظير. وقد نجح عبر سياساته الحكيمة وابتعاده عن العسف العثماني القديم في جذب جميع الطوائف الدينية إلى نفسه، وبقاء سيرته البطولية الطيبة حية في أنفس المعاصرين أو اللاحقين.
شاركنا بتعليقك
تقع المسؤولية الأدبية والقانونية للتعليقات والمساهمات المنشورة على الموقع، على صاحبها، ولا تعبر بأى شكل من الأشكال عن رأى إدارة الموقع