بمشاركة 6 دول.. شركات تركية تروج لصناعاتها الدفاعية في أنقرة
طربوش وهيروين ومعارضة.. حكاية 30 عامًا من الخلافات بين مصر وتركيا «1»

الملك فؤاد - مصطفى كمال أتاتورك
كتب: خالد أبو هريرة
في عام 1914، أعلنت بريطانيا الحماية على مصر، سالخة إياها من أملاك الدولة العثمانية. وفي عام 1923، وقع القوميون الأتراك على معاهدة لوزان على إثر هزيمتهم في الحرب العظمى، وتنازلوا بموجبها عن أي مطالب سياسية لهم في مصر أو أي من البلدان العربية. وبعد ذلك التاريخ بعامين فقط، طلب السفير المصري في روما من نظيره التركي في العاصمة الإيطالية، أن يحادث حكومة بلاده في إمكانية تأسيس بعثة دبلوماسية مصرية في العاصمة التركية أنقرة. فلما قابلت الأخيرة الطلب المصري بالقبول، قامت القاهرة بإرسال أول بعثة لتمثيلها في تركيا يوم 19 فبراير من العام 1925، وهو ما ردت عليه وزارة الخارجية التركية بالمثل في العام التالي.
كانت تلك نقطة البداية في العلاقات المصرية التركية، فيما بعد سقوط دولة آل عثمان. وحتى قيام ثورة الضباط الأحرار في مصر ضد حكم أسرة محمد علي باشا العام 1952، تميزت العلاقات بين القاهرة وأنقرة بالصعود والهبوط، نتيجة وقوع نقاط خلافية عديدة بين حكومات البلدين، كان أبرزها مخاوف تركيا من إحياء الخلافة الإسلامية في مصر، واستضافة القاهرة أبرز المعارضين لسياسات مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية، واحتجاج مصر على تصدير الأتراك معظم الهيروين الذي أدمنه عشرات الآلاف من المصريين، وأخيرا إهانة مصطفى كمال للسفير المصري في أنقرة فيما عرف باسم «حادثة الطربوش».
إحياء الخلافة
تسبب إعلان مصطفى كمال أتاتورك إلغاء الخلافة العثمانية في العام 1924، في نشوء أزمة شرعية عميقة في صفوف الإسلام السني، والذي يشكل أتباعه السواد الأعظم من سكان العالم العربي. بعد أن اعتبرت خطوة الإلغاء طعنة للإسلام نفسه، وتنحية للنظام السياسي الذي ارتضاه المسلمون منذ القرن الـ7 الميلادي، لصالح أنظمة سياسية مستوردة من الغرب. وفي مصر تحديدا، حيث احتشد المعارضون الأتراك لنظام مصطفى كمال، مع الإسلاميين العرب، ظهرت إلى الوجود فكرة إحياء الخلافة الإسلامية من جديد. وتحمس الملك فؤاد، حاكم مصر وحفيد محمد علي باشا لفكرة أن يصبح هو الخليفة الإسلامي الجديد. وعقد لأجل ذلك مؤتمر الخلافة في القاهرة عام 1926 لاختيار الخليفة الذي سيشغل المنصب بدلا من العثمانيين. ولكن خلافات علماء الدين من الحاضرين المؤتمر حول الشروط التي يجب توافرها في الخليفة المختار، إضافة إلى الحملات الدعائية المضادة، والتي رفضت فكرة إحياء الخلافة من الأساس، لأنها ليست من أصول الإسلام، وقادها الشيخ علي عبد الرازق في كتابه الشهير «الإسلام وأصول الحكم»، لعبت دورا حاسما في توقيف المؤتمرين عن انتخاب خليفة، وتبديد الفكرة من رأس الملك فؤاد.
رغم ذلك الإخفاق، فإن مصطفى كمال أتاتورك ظل يتوجس خيفة من فكرة إحياء الخلافة في مصر، وكان أكثر ما يخيفه هو ترقية أحد أفراد السلالة العثمانية، وكانوا وقتها منفيين عن تركيا، إلى منصب الخلافة، لأن ذلك كان من شأنه طعن الشرعية السياسية لدولة أتاتورك في الصميم. وكانت تلك الأخيرة لا تزال تحبو في النظام الجمهوري الجديد، وذكرى الماضي العثماني لا تزال طازجة في رؤوس العديد من الأتراك. وقد ظلت تلك التخوفات تلعب بخيالات مصطفى كمال طوال عهده الذي انتهى أواخر ثلاثينيات القرن العشرين، ويمكن القول إنها لعبت دورًا حاسمًا في بقائه متشككًا على الدوام في نوايا الملك فؤاد، كما ظلت في الخلف على الدوام من كافة النزاعات التي نشأت بين القاهرة وأنقرة خلال تلك الفترة.
جنة المعارضين
على أي حال، فقد حاول الملك فؤاد في عام 1927 أن يخفف من حدة التوتر التركي من سيرة الخلافة المرغوب في إحيائها. فقال في تصريح بروما إن مصر تعتبر تركيا الأخ الأكبر. وتقول الدراسات إن فؤاد كان في ذلك الوقت، وبالشراكة مع الجماعة الوطنية المصرية، ينظر بالإعجاب إلى تجربة كمال أتاتورك، وحربه ضد الإمبريالية الغربية في تركيا، وكان يرغب في تشكيل تحالف معه ضد الوجود البريطاني في مصر.
رغم ذلك، فإن اختيار الكثير من الأتراك، ممن رفضوا التغييرات العلمانية الحادة التي كان أتاتورك يقوم بها في تركيا، لمصر كي تكون منفاهم الاختياري، تسبب في أزمة دبلوماسية بين القاهرة وأنقرة، بعد قبول القاهرة لوجود أولئك المعارضين فوق أراضيها، بل وسماحها لهم بإطلاق الانتقادات للنظام الكمالي فوق صفحات الجرائد والمجلات المصرية. وكان من أبرز المعارضين الأتراك في مصر خلال تلك الفترة، شيخ الإسلام مصطفى صبري، الذي قام بجولة في بلدان العالم الإسلامي، ثم استقر في مصر في الثلاثينيات، وبقي فيها حتى وفاته في عام 1954. وقد دبج صبري في القاهرة المقالات والكتب في انتقاد العلمانية الكمالية التي أجهزت على الإسلام في بلاده تركيا، وترى خلاصة تلك الكتابات في كتابه الكبير من أربع أجزاء، والمعنون بـ«موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين».
أغضبت مقالات مصطفى صبري ورفاقه، الجمهورية التركية بشدة، وأعلن أتاتورك احتجاجه برفض تهنئة الملك فؤاد بذكرى تنصيبه على العرش في العام 1928. وهو ما رد عليه فؤاد بمنع الدبلوماسيين المصريين من حضور أي مناسبات تقيمها السفارة التركية في القاهرة، بل وتوقف الملك نفسه عن إرسال أي تهاني لمصطفى كمال.
ويلاحظ أنه من الأشياء التي حفزت المعارضة التركية في مصر على رفع حدة نشاطاتها ضد مصطفى كمال، أن النخبة المثقفة المصرية نفسها، كانت تضم بين صفوفها العديد ممن رفضوا كذلك المنزع العلماني لتركيا الجديدة. فعندما قرر مصطفى كمال مثلًا إلغاء الطربوش في العام 1926، واستبداله بالقبعة الإفرنجية (البرنيطة)، وتغليظ معاقبة لابسي الطربوش إلى حد إعدامهم شنقا، قامت الدنيا في القاهرة استنكارًا للقرار. فأعلن الليبراليون المصريون، وهم زعماء الحركة الوطنية في مصر، رفضهم لـ«البرنيطة» باعتبارها رمزًا للتغريب، وأصروا على لبس الطربوش، الذي أصبح لديهم عاكسًا للهوية المصرية المستقلة. بينما أصدر شيخ الأزهر محمد أبو الفضل الجيزاوي فتوى تؤكد أن آراء المذاهب الأربعة تحرم لبس البرنيطة، وهو الأمر الذي سارعت الصحيفة التركية اليومية «جمهورييت»، بالرد عليه بنشر فتوى من قبل رئاسة هيئة الشؤون الدينية في تركيا، تصرح للمسلمين بالصلاة بالقبعات الغربية.
وعندما اتخذ أتاتورك الأبجدية اللاتينية لكتابة اللغة التركية بدلا من الألفبائية العربية في عام 1928، وكانت تلك خطوة أكثر راديكالية انتزعت الأتراك من جذورهم الشرقية، تنوعت ردود الفعل تجاهها في مصر بين مؤيد ومعارض. فقد كتبت جريدة «وادي النيل» تعليقًا على قرار أتاتورك: «وحده الوقت سوف يخبر بنتائج التغيير»، بينما رحب المفكر المصري المسيحي والصحافي سلامة موسى بالانقلاب نحو الأبجدية اللاتينية، بل ودعا بتحولات مماثلة في اللغة المصرية المكتوبة، ولكن دعوته لم تلق الكثير من الرواج في مصر، التي كانت من أسبق الدول لإحياء اللغة العربية في عصر التحديث الذي انطلق في القرن الـ19.
شاركنا بتعليقك
تقع المسؤولية الأدبية والقانونية للتعليقات والمساهمات المنشورة على الموقع، على صاحبها، ولا تعبر بأى شكل من الأشكال عن رأى إدارة الموقع