بمشاركة 6 دول.. شركات تركية تروج لصناعاتها الدفاعية في أنقرة
في ليبيا.. الباشا العثماني يعالج أزمته المالية بسك عملة مغشوشة

الأسطول العثماني
كتب: خالد أبو هريرة
كانت ليبيا في بداية العقد الثالث من القرن التاسع عشر الميلادي، تعاني ضائقة مالية شديدة، نتيجة توقف عوائد القرصنة البحرية، التي شكلت المورد الأساسي لمالية العاصمة طرابلس الغرب. وبدلًا من أن يعمد الوالي العثماني في ذلك الزمن، يوسف باشا القرمانلي (1793- 1838) إلى إصلاح الأوضاع الاقتصادية في المدينة، ويخلق مصادر دخل بديلة للقرصنة، تراه وقد زاد الطين بلة، فأمر بسك عملة مغشوشة عمقت من جراح الولاية، وتوسع في الاقتراض من الدول الأجنبية، منفقًا القروض على ملذاته الشخصية بدلًا من الإعمار، ما انتهى بتسرب النفوذ الأجنبي إلى ليبيا دون أن يدفعه دافع، أو يعوقه معوق.
ويقول المؤرخ التركي عزيز سامح التر في كتابه (الأتراك العثمانيون في أفريقيا الشمالية)، إن «يوسف باشا الذي اهتم في مبدأ توليه برفع مستوى قواته البرية والبحرية وتنميتها وإصلاح القلاع، أهملها في أواخر عمره حتى تدنت القوة البحرية في سنة 1242 هـ/ 1826 وهبط إلى عدد قليل من السفن البائدة».
يتابع: «لو أجريت الإصلاحات مع الاهتمام والسعي لإعمار الأقسام الساحلية والداخلية من البلاد تحت إدارة منتظمة لدر واردات كثيرة تلافي ما انقطع من دخول القرصنة، إلا أن الوالي كان يجهل الإدارة. ومن مظاهر جنونه أنه قسم البلاد على أبنائه وكأنها مزرعة خاصة فأعطى: قضاء غريان لابنه الأكبر علي بك، ومصراتة لابنه مصطفى بك، والخمس لابنه عثمان بك، وورفلة لابنه عمر بك. وزليتن لابنه إبراهيم بك، ودرنة لمملوكه مصطفى بك.. ولم يذهب هؤلاء الأمراء للأقضية، بل بعثوا وكلاء عنهم يضايقون أفراد الشعب ويعملون لاغتصاب ما بأيديهم، ومع انتقال الورادات للأمراء فإن الحكومة عجزت عن جباية الضرائب والتكاليف الأخرى من بقية الأقضية».
ولما بدأ يوسف باشا القرمانلي في التفكير بخطة للخلاص من البؤس المالي الذي تعيشه دولته، تفتق ذهنه عن أفكار بالغة السوء. يقول (التر): «كان يوسف باشا يجهد فكره لإيجاد مخرج من هذه الأزمات ويطرق كل تدبير، وفي هذا المجال اتخذ قرارًا خاطئًا بسك نقود مغشوشة بالنحاس وأصبحت العملة في مهب الريح بين الهبوط والصعود ولم تسفر إلا عن خسارة التجار والأهالي».
كما أن القرمانلي بدأ سياسة اقتراض واسعة من الأجانب، وبأرباح فاحشة «واستمرأ هذه العملية، ثم زاد به الحال فلم يحجم عن الاقتراض بفائدة قدرها 100 % غير مفكر في حلول موعد التسديد. والأجانب عندما لمسوا عظم الفائدة أقرضوا الباشا -وهم مغمورون بالسرور- كل ما يطلب من النقود. ولما رأى الباشا سهولة الحصول على الأموال التي يطلبها لقاء سند عادي استلم للهو والمجون».
ولما أنفقت تلك الأموال على التوافه، كان منطقيًا أن يحل الصدام سريعًا بين يوسف باشا والدائنين. ويقول المؤرخ التركي: «ولما حلت آجال الدفع ولم يجد الدائنون الأجانب ما يقضونه ارتبكوا وباشروا في الإلحاح على الباشا ومضايقته لتسديد مطالبهم».
وكان القنصل الفرنسي أشد هؤلاء الدائنين ضغطًا على الباشا العثماني «وقد راجع يوسف باشا شفاهة يطالب بتسديد ديون رعايا دولته وتبادلا خلال ذلك كلمات شديدة، على أثرها ركب القنصل الفرنسي سفينة وغادر المدينة».
يقول (التر): «وبما أن طرابلس لا تملك قوة تقارع بها فرنسا فقد ارتبك الباشا. وفي سنة 1839، جاءت 7 مراكب فرنسية بقيادة الأميرال روزاميل وبعث قائد الأسطول المذكور رسالة إلى يوسف باشا طلب رده خلال 48 ساعة، وإلا ضربت طرابلس الغرب بالمدافع».
وبعد التفاوض، عقدت المعاهدة بين الجانبين بشروط مذلة للباشا العثماني، إذ اتفق على تقديم يوسف القرمانلي اعتذاره الرسمي إلى القنصل الفرنسي على إهانته، والكف كليًا عن القرصنة، وإلغاء استرقاق الأجانب، وعدم زيادة القوات البحرية في طرابلس عن حجمها الضئيل الحالي، وأخيرًا أن تدفع الخزانة الليبية -المفلسة أصلًا- 800 ألف فرنك لنظيرتها الفرنسية، مقابل مصاريف الجيش الذي ساقته فرنسا على طرابلس. لتكون تلك المعاهدة فاتحة معاهدات شبيهة ميزت العلاقة بين ليبيا، بل وسائر الأقطار العربية الخاضعة للعثمانيين وبين القوى الأجنبية، كانت فيها الأخيرة دائمًا الطرف الذي يفرض شروطه السياسية والمالية على العرب، ثم الطرف نفسه الذي احتل بقواته العسكرية تلك الشعوب وأخضعها لإرادته.
شاركنا بتعليقك
تقع المسؤولية الأدبية والقانونية للتعليقات والمساهمات المنشورة على الموقع، على صاحبها، ولا تعبر بأى شكل من الأشكال عن رأى إدارة الموقع