بمشاركة 6 دول.. شركات تركية تروج لصناعاتها الدفاعية في أنقرة
تصدق على الناس بالأموال المغصوبة: حكاية «علي الخصي» في بغداد العثمانية

خصي عثماني
كتب: خالد أبو هريرة
هذه حكاية الملا علي الخصي. أحد رجالات الدولة العثمانية في العراق، من الذين ضرب بهم المثل في القسوة والظلم، وظلت سيرته السيئة تلهج بها ألسنة العراقيين حتى بعد وفاته بعقود طويلة، واستقلال بغداد - ومعها كل أراضي الرافدين - عن الحكم العثماني.
كان الملا علي المسؤول عن حرملك علي رضا باشا اللاز، والي حلب الذي كلف من قبل السلطان العثماني محمود الثاني باستعادة بغداد من قبضة المماليك في العام 1831. وعلى إثر نجاح اللاز، وتفكيك الحكومة المملوكية في مدينة السلام، اختير على الخصي في الإدارة الجديدة للولاية التي قادها اللاز نفسه طيلة 12 عاما متواصلة، وكلف الملا علي بجمع الجبايات من العراقيين، فأتى عجبا من وسائل استخلاص المال من الخلق.
يقول المؤرخ العراقي عباس العزاوي في كتابه تاريخ العراق بين احتلالين: «هذا (الملا علي الخصي) اشتهر بالظلم والقسوة كثيرا حتى بلغ حد التواتر، ولا تزال تتردد على الأفواه وقائعه القاسية». ثم ينقل عن أحد التواريخ العراقية مجهولة الصاحب: «هذا- علي باشا- كانت خاصته يغصبون أموال الخلق منهم بعلمه كـ ملا علي، و هو رجل من قبيلة يقال لها سورمرية (قبيلة كردية اختلطت بالعرب في وسط العراق وتحدثت العربية بسبب ذلك بل وانتسبت إلى العرب حتى).. و مبدأ أمره كان كاتبا في قرية الخالص .. رجلا ذميم الخلقة وجهه وجه الخصي، وله زوجة، لم تلد منه، ووجهه أمرد، مهول، كوجه القرد، بل أسوأ حالا من القرد والخنزير.. فالمذكور قدمه الوزير، و جعله بمنزلة قائد الجيش، و جعل بيده جمع ميري العشائر. وهي مثل الجزية عند رأس كل سنة يأخذون من بعض العشائر من كل رجل له زوجة ٦٠٠ قرش و ليس بالسوية حيث بعضا منهم يأخذون من الرجل ١٥٠٠ قرش، وليس بالسوية حيث بعضا منهم يأخذون من الرجل ١٥٠٠ قرش، وأقلّهم ٣٠٠ قرش.. وهؤلاء المسلمون مظلومون، حيث سابقا كان يعطى الرجل خمسة عشر قرشا و الذي ضاعفها هذا الكلب ملا علي الخصي».
يتابع: «ويفتخر علي الخصي بفعله والوزير علي باشا اللاز مطلع بذلك ولم يعارضه، ولم ينهاه.. فالخصي المذكور كان مقدما عنده، و كان يظهر إلى خارج بغداد، وينهب سواد (الأراضي الزراعية للعراق) العراق وهم أعراب، فلاحون، يزرعون لهم أراضيهم، و يؤدون الجزية المذكورة، يأخذ أغنامهم، و جميع مالهم من الدواب، و يبيعونها على جزّاري بغداد غنمهم والبقر يرمونها على أهالي البساتين، و يحسبونها عليهم، الدابة التي تباع بمائة يأخذون منهم ثلاثمائة، و أمثال ذلك، حتى أنهم إذا مات شيء من هذه الدواب يقطعون أذناها و يجرونها بثمن دابة حيّة قبل تسليمهم إياها، و لزيادة طغيانه (أي الملا عي الخصي) كان يحبس الناس في بيته و يضربهم أشد ضرب، ولا يطلقهم حتى يأخذ منهم مالا، لا يستطيعون أداءه، و يبيعون أملاكهم، و هم مسجونون عنده في بيته».
الطريف أن الملا علي الخصي، ووفقا للرواية التي ينقلها العزاوي، كان «مع هذا الظلم الفاحش يتصدق على فقراء الناس من مال الناس، و أن أعجاما تابعين لإيران قطّانين يبيعون القطن رمى عليهم جاموسا، وأخذ أضعافا عن أثمانها مضاعفة، و على بياعي الحطب يرمي عليهم جاموسا، و يأخذ كما يأخذ من المذكورين».
يتابع: «والحيرة أن الأعاجم الذين ذكرناهم مساكنهم لا تدخل فيه الجاموس، وهم حائرون في بيعها، ويدورون بها في الطرق، لا مأوى لها عندهم. ويدور الملا علي الخصي بنفسه في الميدان، فكلما رأى فرسا جيدة غصبها من مالكها قهرا، و أخذ خيلا من أصحابها من شيوخ العرب وسائرهم بهذه الصورة، والناس يخافون من سطوته وجوره».
وعلى شاكلة حكايات قراقوش، وزير صلاح الدين الأيوبي في مصر، والذي كان هو الآخر مضرب الأمثال في الظلم والجور، والحمق والغباء، ينقل العزاوي حكاية عن التاريخ مجهول الصاحب تبرهن على طيش الملا علي الخصي، واستهتاره بأرواح الرعية، إذ جاء في مرة إلى الجسر الواقع في مدينة بغداد «فوجد امرأة مارة أمامه تريد العبور أيضا، فضربها بعصاة كان يحملها ضربة شديدة في رأسها فماتت من ساعتها عامله اللّه تعالى بعدله وغضبه وسخطه». ونتيجة ذلك، وأمثال ذلك، يشير صاحب التاريخ إلى سعي البغداديين لإرضاء علي الخصي اتقاءاً لشره، معقبا على في أسى: «فيا تعسا له من زمان».
شاركنا بتعليقك
تقع المسؤولية الأدبية والقانونية للتعليقات والمساهمات المنشورة على الموقع، على صاحبها، ولا تعبر بأى شكل من الأشكال عن رأى إدارة الموقع