العثمانيون في «حماة» السورية (1): رشوة وهتك أعراض وحكم بالهوى

العثمانيون

العثمانيون

كتب: خالد أبو هريرة

في كتابه (تاريخ حماة)، يقدم المفكر الإسلامي الشيخ أحمد بن إبراهيم الصابوني (1875- 1916)، صورة من حياة المدينة الواقعة في الغرب السوري -وكان الشيخ أحد مواطنيها- خلال زمن العثمانيين الأتراك، والذي دام أربعمائة عام كاملة (1516- 1916)، واعتبره الصابوني امتداداً لمسيرة خراب طويلة لـ حماة، بدأت في القرن الخامس عشر الميلادي مع غزو تيمورلنك.

يقول الصابوني: «من ذلك الحين (حادث غزو تيمور)، ازداد تناقص عمران حماة وانفصلت ملحقاتها عنها -وهي المعرة صارت تابعة لحلب، وسلمية خربها عربان البادية، وبعرين صارت خرابًا وعادت شبه قرية- وما زالت حماة تخرج من حوزة والٍ وتدخل في حوزة آخر حتى مَلَكَ السلطان سليم الأول العثماني هذه البلاد سنة 1516، ودخلت حماة في جملة ما مَلَك، فكان يتولى عليها رجل يُسمى متسلمًا يفعل ما يشاء، ولم يكن في ذلك الحين السلك البرقي ولا القطارات الحديدية فكانت الأخبار لا تصل إلى دار المملكة إلا بعد هلاك الرعية».

كان الفساد الإداري في حماة، والتي أصبحت تمنح سلطتها لمن يدفع رشوة أكبر إلى الباب العالي في إسطنبول، إحدى عوامل تدهور المدينة في العصر العثماني. يقول الصابوني: «كان الحاكم يأخذ حماة مقاطعة بعد دفع مبلغ معين لجهة الدولة، وله أن يفعل ما يشاء عَلَى حسب إدارته العقلية فكان يُعين من قِبله أميرًا للجند، ورجلًا آخر يُلقب «صوباشي» وظيفته تَفَقُّدُ شئون البلد وتثبيت الأمن والتفتيش عَلَى السارقين والأشقياء، ولكل منهما أعوان، وتحت يد الصوباشي رئيس العسس فكان هؤلاء يصنعون ما يحبون من سلب الأموال والظلم».

وقد أورد الشيخ الصابوني مجموعة حكايات محزنة وطريفة في الآن ذاته، حول مظالم رجلين من الحكومة العثمانية في حماة، هما بريك بن سركين، ترجمان الصوباشي، ورئيس العسس في المدينة محمد بن يحيى المكنى أبا حمامة، قال الصابوني إنهما اتفقا  على ضرر الناس، وغصب أموالهم بكل طريقة ممكنة، وتعددت أفعالهما حتى أصبحت أمثولة في بلاد الشام كلها.

واحدة من تلك الحكايات يرويها المفكر السوري قائلا: «من ذلك أنه غرق رجل من محلة باب المغار في نهر العاصي وأُخرِج حيًّا ثم بعد ذلك توفي فقبض بريك عَلَى زوج أخته فلم ينجُ منه إلا باثني عشر سلطانيًّا، وفي ثاني يوم جاءه وطلب منه أن يدعي أن أُناسًا أوقعوا الرجل في النهر حتى غرق فلم يرضَ فضربه بالعصا حتى تورمت رجلاه وأخذ منه ستة وعشرين سلطانيًّا».

يتابع: «ومن ذلك أن أبا حمامة كان يقف في الطريق فيسلب من المسافرين ما معهم بعد الضرب المبرِّح.. ومن ذلك أن بريكا المذكور قبض على غلام يُدعى إبراهيم بن سركين وأباح عرضه للمسجونين.. ومن ذلك أن أبا حمامة قبض على رجل من محلة العليليات وقيده في بيت الصوباشي واتهمه أنه ذبح غنمًا في بيته ولم يُطلقه حتى أخذ منه سبع سلطانيات.. ومن ذلك أن بريكا قبض عَلَى رجل من محلة باب المغار يُدعى ابن المكسح واتهمه بأنه تشاجر مع زوجته ولم يُطلقه حتى أخذ منه خمس سلطانيات.. كذلك قبض ابن حمامة عَلَى امرأة بدعوى أنها تعاملت مع زوجها عَلَى أبيها فأخذ منها خمس عثمانيات».

وقد استمر ابن سركين وابن حمامة في غيهما «حتى بلغ والي حلب الخبر بما يفعلانه، فأرسل أمرًا بالتحقيق عليهما، وظهرت لهما أعمال مبكية محزنة من هتك عرض وسلب ونهب إلى غير ذلك ممَّا يطول شرحه لو أردنا ذكره كله».

شاركنا بتعليقك

تقع المسؤولية الأدبية والقانونية للتعليقات والمساهمات المنشورة على الموقع، على صاحبها، ولا تعبر بأى شكل من الأشكال عن رأى إدارة الموقع