بمشاركة 6 دول.. شركات تركية تروج لصناعاتها الدفاعية في أنقرة
العثمانيون في حماة السورية (2) خوازيق ومصادرات ونهب بالجملة

العثمانيون
كتب: خالد أبو هريرة
نتابع مع كتاب (تاريخ حماة) للمفكر الإسلامي الشيخ أحمد بن إبراهيم الصابوني، سرد تاريخ المدينة السورية أثناء العصر العثماني. وبعد أن عرض الشيخ مظاهر الفساد الإداري في حماة، يؤكد أن غياب الرقابة من الحكومة المركزية العثمانية في إسطنبول كان سبباً رئيساً في الأوضاع المزرية التي كانت عليها مدينته، والتي كادت أن تتحول لقرية، بسبب هجرة سكانها الذين تعرضوا للمظالم المستمرة.
يقول الشيخ الصابوني: «تتابع الظلم من الأمراء والمتسلِّمين ولا علم لمركز السلطنة بذلك، فإن حماة كانت تابعة لطرابلس، وكان للوالي حق تعيين المتسلِّم — كما ذكرنا — ولم تكن للحكومة محاكم سوى المحكمة الشرعية ولا قوانين سياسية فكان بين يدَيِ المتسلم الموت والحياة.. ففي سنة 1679، كان المتسلم بحماة داود آغا، وكان الوالي في طرابلس محمد باشا، وبعد ذلك ببرهة صارت تابعة لولاية دمشق باسم مقاطعة لأمير الحج، فكانت أموالها تُقدم لوالي دمشق بصفة مقاطعة وكان يرسل من قِبله متسلمًا يفعل ما يشاء».
تنوعت وسائل القتل والتعذيب التي قام بها متسلمو حماة ضد أهالي المدينة، وهي الوسائل التي يقول الصابوني إنها لم «تنطبق عَلَى شرع ولا قانون مدني. فكانوا إذا غضبوا عَلَى رجل يضعونه عَلَى الخازوق حتى يموت بعد عذاب طويل مما لم يُسمع بمثله في أظلم حكومات العالم الماضية، وإذا غضبوا عَلَى امرأة وضعوها في الخيشة وألقوها في نهر العاصي».
كما أن حكام حماة من العثمانيين تفننوا في مصادرة أموال الحمويين (نسبة إلى حماة) بغير وجه حق. يقول الشيخ: «ومن البدع التي كانت المصادرة، فربما جاءت جنود الحاكم فنهبت بيت البعض ولا يدري ما ذنبه. وقد يُجاء بالإنسان فيُطلب منه مال معين فإما أن يدفعه وإما أن يقع تحت العذاب. لهذا كان كل إنسان يكتم الغنى ويُظهِر الفقر، ويلبس الثياب الرثة، ويدفن ماله تحت الأرض وبين حجارة الجدار، وربما مات فجأْة ولم يُعلِم أولاده أين وضع ماله، حتى إذا اشترى أحد تلك الدار وحفر في أرضها لبناء وجد المال المدفون».
شاركت القوات العسكرية العثمانية التي كانت تمر بحماة كذلك في النهب باسم إمداد الجيش بالمال والميرة اللازمين. يقول الصابوني: «كانت العساكر إذا قَدِمَت إلى حماة تنزل في البيوت رغمًا فكان السكان يعملون باب الدار صغيرًا جدًّا حتى لا يستطيع الجندي أن يُدخل حصانه في الدار. كان النهب بأسباب الحروب كثيرًا فكان السكان يعمل كل منهم في بيته بئرًا يضع فيه مواعينه وأشياءه حين النهب ويسد فم البئر بحجارة وتراب حتى لا يُعرف فإذا اطمأَن أخرج ما يحتاجه».
وعلى العكس من الأدبيات الشامية في القرن التاسع عشر، والتي نظرت إلى الحكم المصري لسورية بقيادة إبراهيم باشا بن محمد علي نظرة إيجابية وتمنت لو دام واستمر، فإن الشيخ الصابوني يرى في وجود إبراهيم باشا مرحلة جديدة من النكبات في مدينته حماة. يقول: «دام هذا الحال حتى هاجر أكثر الحمويين إلى دمشق والبعض إلى حلب أو حمص أو طرابلس فتناقص عمرانها وسكانها وصارت شبه قرية. ثم جاء إبراهيم باشا المصري فزاد البلاء، واحتقر الناس حتى كأَنهم أنعام فكان يحشرهم للأعمال الشاقة كبناء الثكنة العسكرية في الحاضر، ويسوقهم للحرب بغير ترتيب فيقبض عَلَى كل مَنْ يجده في البلد، فكانوا يفرون منه إلى رءوس الجبال وتارةً يختبئون في الآبار، وربما قلع الإنسان عين نفسه أو قطع إصبعه ليُعفَى من الخدمة العسكرية، فلم يبقَ في حماة وباديتها إلا القليل ولهذا أُلحِقَت في حمص».
ولم ينصلح حال حماة نسبيا في النهاية إلا بعد عصر التنظيمات العثمانية، وهي إصلاحات تشريعية علمانية أقرتها إسطنبول، وغيرت شكل وطبيعة النظام الإداري للإمبراطورية على مستوى المركز والأطراف. يقول الصابوني: «ثم تنبهت الحكومة لعمران البلدان، وارتبط المأْمورون بمركز المملكة فزال ما كان من الضغط، وعرف كل إنسان ما له وما عليه فتزايد عمران حماة وكثر ساكنوها، وجُعِلَت مركز اللواء، وأُلحِقَت بها حمص والعمرانية وسلمية حتى هذا الزمن، ولا يعلم بعدُ ما يكون سوى خالق النسم جل شأْنه».
شاركنا بتعليقك
تقع المسؤولية الأدبية والقانونية للتعليقات والمساهمات المنشورة على الموقع، على صاحبها، ولا تعبر بأى شكل من الأشكال عن رأى إدارة الموقع