بمشاركة 6 دول.. شركات تركية تروج لصناعاتها الدفاعية في أنقرة
ثورة «العلوفة جي»: النبي أوصى قائدها في المنام بقتال العثمانيين

العثمانيون
كتب: خالد أبو هريرة
هذه حكاية ثورة مسلحة، قامت بها فرقة عسكرية غير نظامية في الجيش العثماني أثناء عصر السلطان محمد الثالث، بسبب سوء معاملة أفرادها ونفيهم من قبل العثمانيين. وكان الثائرون من القوة والتأثير بحيث تمكنوا من إلحاق الهزيمة تلو الأخرى بجيوش السلطان، والذي لم يجد مفر في النهاية من التفاهم مع قواد الثورة، بعد أن عجز عن تحطيمها.
هذا التقرير يسرد حكاية هذه الثورة، والتي تعرف باسم ثورة (العلوفة جي)، نسبة إلى الفرقة العسكرية التي قامت بها..
يقول المؤرخ محمد فريد بك في كتابه (تاريخ الدولة العلية العثمانية) عن عصر السلطان محمد الثالث، الذي شهد اندلاع ثورة العلوفة جي: «ولد هذا السلطان في ١٦ مايو سنة ١٥٦٦م، وتولى بعد موت أبيه مراد الثالث ابن صفية الإيطالية الأصل، وكان له تسعة عشر أخًا غير الأخوات، فأمر بخنقهم قبل دفن أبيه، ودفنوا معًا تجاه آيا صوفيا».
يتابع فريد بك: «وفي أوائل حكمه سار على أثر سلفه في عدم الخروج إلى الحرب، وترك أمور الداخلية في أيدي وزرائه الذين منهم سنان باشا وجفالة زاده (هو ابن القائد جفالة باشا الجنوي الأصل الذي قتل في محاربة العجم الأخيرة، وصحة اسمه سيكالا، ثم حرِّف فصار جفالة)، وآخر يدعى حسن باشا، ففسدوا في الأرض وباعوا المناصب الملكية والعسكرية، وقللوا عيار العملة حتى علا الضجيج من جميع الجهات، وتعاقب انهزام الجيوش العثمانية أمام مخائيل الفلاخي، فضم لسلطانه بمساعدة الجيوش النمساوية إقليم البغدان وجزءًا عظيمًا من ترنسلفانيا لعدم وجود القوَّاد الأكفاء لصدِّهم».
نتيجة هذا الانحلال، قرر محمد الثالث العودة لقيادة الجيوش العثمانية بنفسه. وسار إلى «بلغراد ومنها إلى ميدان الحرب والنزال، وبعد قليل دبت في الجيوش الحمية الدينية والغيرة العسكرية، ففتح قلعة «أرلو» الحصينة التي عجز السلطان سليمان عن فتحها في سنة ١٥٥٦، ودمَّر جيوش المجر والنمسا تدميرًا في سهل «كرزت» بالقرب من هذه القلعة في ٢٦ أكتوبر سنة ١٥٩٦ حتى شبهت هذه الموقعة بواقعة «موهاكز» التي انتصر فيها السلطان سليمان سنة ١٥٢٦. وبعد هذه الموقعة استمرت الحرب سجالًا بدون أن تحصل بين الطرفين وقائع حاسمة».
ومع دخول القرن السابع عشر الميلادي، كان محمد الثالث على موعد مع ثورة العلوفة جي في الأناضول. يقول فريد بك: «في ابتداء القرن السابع عشر للميلاد حصلت في بلاد الأناضول ثورة داخلية كادت تكون وخيمة العاقبة على الدولة، خصوصًا ونيران الحروب مستعرٌ لهيبها على حدود المجر والنمسا، وذلك أن فرقة من الجيوش المؤجرة (ويسمونها بالتركية علوفه جي) التي هي بالنسبة للانكشارية كنسبة الباشبوزق للجيوش المنتظمة، لم تثبت في واقعة «كرزت» المتقدِّم ذكرها، بل ولَّت الأدبار وركنت إلى الفرار، فنفيت إلى ولايات آسيا وأطلق عليها اسم «فراري» تحقيرًا لهم وعبرة لغيرهم».
وفقاً للمؤرخ المصري، ففي المنفي الأناضولي ادَّعى أحد رؤساء العلوفة جي «واسمه «قره يازيجي» أن النبي جاءه منامًا ووعده بالنصر على آل عثمان وفتح ولايات آسيا، فتبعه كثير من هذه الفئة وشق عصا الطاعة، وتغلَّب على والي القرمان ودخل مدينة «عين تاب» عنوة، فأُرسلت إليه الجيوش وحاصرته فيها. ولما رأى أن لا مناص له من التسليم أو الموت عرض على الوزير المحاصر له الطاعة للسلطان بشرط تعيينه واليًا لأماسية؛ فقبل شرطه ورفع عنه الحصار، لكن بمجرَّد ابتعاد الجيوش عنه رفع راية العصيان ثانيًا واتحد مع أخيه المسمى «دلي حسن» والي بغداد، فاتبع وسوسة أخيه، وكفر بنعمة الدولة، وجاهر بعصيانها».
بدأ محمد الثالث في إرسال الجيوش لقمع الثورة. وبعث بـ «صقللي حسن باشا مع جيش جرار لمحاربتهما وانتصر على قره يازيجي، وألجأه إلى الاحتماء بجبال جانق على البحر الأسود، حيث توفي من الجراح التي أصابته في الحرب تاركًا أخاه للأخذ بثأره». وقد نجح والي بغداد دلي حسن في الثأر لأخيه، بعد أن انتصر على صقللي حسن باشا، بل وحتى قتله «على أسوار مدينة توقات، ثم هزم ولاة ديار بكر وحلب ودمشق، وحاصر مدينة «كوتاهية» في سنة ١٦٠١، واستفحل أمره حتى خيفت العاقبة».
هنا، يقرر السلطان محمد الثالث التوقف عن النزال والرضوخ لطلبات دلي حسن، وأخذ في استعمال «طرق السلم والتودُّد، وأجزل لـ دلي حسن العطايا، وأغدق عليه الهبات، ثم عرض عليه ولاية البوسنة فقبل بعد تعللات كثيرة، ووضع السلاح، وأعلن بإخلاصه للدولة العلية سنة ١٦٠٣، وسافر بجنوده ومن انضم إليها من أخلاط الأكراد وأوباش القرمان، واستعمل قوَّته لمحاربة الإفرنج على حدود الدولة من جهة أوروبا حتى هلكت جيوشه عن آخرها في المناوشات المستمرة بينها وبين عساكر المجر والنمسا، واستراحت الدولة من شرها».
شاركنا بتعليقك
تقع المسؤولية الأدبية والقانونية للتعليقات والمساهمات المنشورة على الموقع، على صاحبها، ولا تعبر بأى شكل من الأشكال عن رأى إدارة الموقع