بمشاركة 6 دول.. شركات تركية تروج لصناعاتها الدفاعية في أنقرة
«لن تأخذوا قرشًا زيادة».. التوانسة يرفضون الإتاوة العثمانية (2)

الباي أحمد باشا، حاكم تونس
كتب: خالد أبو هريرة
طبقًا للمؤرخ التونسي أحمد ابن أبي الضياف في كتاب (إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان)، سافر الشيخ إبراهيم الرياحي - سفير حاكم تونس الباي أحمد باشا إلى السلطنة العثمانية - في «يوم السبت 8 ربيع ثاني من السنة 1254 (30 يونيو 1838)، وأصحبه بمكاتيب باللغة العربية، وهو أول من كاتب الدولة العلية باللسان العربي، متعللا بأنه لا يضع ختمه إلا على ما يفهم خصائص تراكيبه. وبعد أن قرئت المكاتيب بين يدي الشيخ استحسنها».
وقد أورد ابن أبي الضياف بعد ذلك نص رسالة أحمد باشا إلى السلطان العثماني محمود الثاني، وكان المؤرخ التونسي نفسه هو من ألفها. ونختار من تلك الرسالة الفقرة التالية: «تونس موضع شعائر الإسلام، غريبة ببعدها عن استمطار أياديك الجسام، ومساحة معمورها مسير نحو الستة أيام، شأن أهلها التمعش (الاسترزاق) من الزيت والبر، والصوف والوبر، يعانون في تحصيلها ألم الحر والقر. هذا غالب ما يسد لهم الخلة، ويوجد غيرها لكن على قلة، ومقدار زكاة لا محالة، بحسب اتساع العمالة، فما يفضل من خصبها فهو للقحط عدة، وبذلك دام عمرانها لهذه المدة، لا فضل من ذلك لترف، ولو في سبيل شرف. هذا معظم دخل القطر، ويلزمه ضرورة لحفظ عمرانه، وحماية أوطانه، وتأمين سكانه، وإصلاح مراسيه وبلدانه، حماة وأجناد، في كل جهة وبلاد لتأمين الجبال والوهاد، وردع أهل الفساد. ويلزم العساكر الكسوة والإطعام، والمرتب على الدوام، ولا بد لهذا العدد، من آلات وعدد، وقوام هذا بالمال، وهو السبب في عرض الحال، فإن الدخل على قدر الإنفاق، وذلك بشهادة الله غاية ما يطاق، وإذا كلفنا الرعية المشاق، ونزعنا الرفق والإشفاق، كان ذلك ذريعة للنفاق، وسلما للشقاق..».
تتابع الرسالة: «وبما بسطنا من الكلام، يظهر للقائم بمصالح الأنام، أن لا قدرة لهذه الإيالة على أداء المال في كل عام.. هذه ضرعة رعيتك، المستمسكين بطاعتك، المستجيرين بحمايتك، المرتجين لعنايتك وإعانتك، قمت بتبليغها بين يدي سلطنتك الخاقانية، وهمتك العثمانية، وتبليغها من الواجب في حقي، وهو ثمرة طاعتي وصدقي.. والمأمول من تلك الهمة، النظر لهذا القطر بعين الرحمة، وهذا المال في خزائن الدولة لا يزيد، وثقله على هذا القطر شديد».
لما وصل الشيخ الرياحي إلى إسطنبول، أحسنت الدولة العثمانية استقباله «وأكرمت مثواه، على عادتها في إكرام الضيف، لا سيما إذا كان من أهل العلم». وقد أجرى السفير التونسي لقاءات رفيعة المستوى في العاصمة العثمانية، فالتقى السلطان محمود الثاني، كما عقد اجتماعا مع الصدر الأعظم رشيد باشا. ثم رجع مرة أخرى إلى تونس في أواسط رجب من السنة 1254 (أوائل أكتوبر 1838)، بالغا من سفارته شيئا من الأمل، وهو أن الدولة لا تلح في الطلب، ويتوقف الحال لوقت آخر، وإذا أفضى هذا المال فلا حاجة به».
ورغم أن هذه النهاية الإيجابية - إلى حد ما - لسفارة الرياحي كان من المفترض أن تنهي الأزمة المالية لتونس، فإن تصرفات الباي أحمد باشا بعدها أفسدت كل تدابير رجال الدولة التونسية. فبدلا من ترشيد النفقات، والعمل وفقا للحال الصعبة التي تعيشها مملكته - كما أقر الباي بنفسه في خطابه إلى السلطان العثماني - تراه وقد أفرغ الخزانة بالإنفاقات الزائدة عن الحد على العساكر، إضافة إلى إصراره على بناء قصر لإقامته أنفق عليه الأموال ببذخ هائل.
يقول ابن أبي الضياف: «وأقبل الباي بعد قدوم أمير البحر عثمان باي في جمع العسكر وترتيبه وتدريبه، وصرف كل عنايته لذلك، حتى جمع جموعا لم تنتظم لغيره من ملوك تونس، وإن أجحفت بدخل المملكة وخرجها (وهي فقيرة كما شهد بذلك في مكاتيبه للدولة المتقدم ذكرها)، حتى لزمه إحداث ضرائب ومكوس تغافل فيها عن الملتزمين. وهذا أثر نقصانا كثيرا في ثروة المملكة وعمرانها الناقص».
شاركنا بتعليقك
تقع المسؤولية الأدبية والقانونية للتعليقات والمساهمات المنشورة على الموقع، على صاحبها، ولا تعبر بأى شكل من الأشكال عن رأى إدارة الموقع