بمشاركة 6 دول.. شركات تركية تروج لصناعاتها الدفاعية في أنقرة
«بداية خراب الدنيا»: كيف نظر العثمانيون إلى حملة نابليون على مصر؟

الفرنسيون في مصر
كتب: خالد أبو هريرة
لم ينزل خبر هبوط الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت أرض مصر عام 1798 كالصاعقة على رؤوس أهل المحروسة فحسب، بل على سائر بلاد الدولة العثمانية الناطقة بالعربية أو التركية على حد سواء. فقد كانت مصر أهم ولايات الدولة العثمانية على الإطلاق، وبالتالي أحدث الغزو النابليوني صدمة في أوساط النخب الحاكمة في إسطنبول. أما على المستوى غير الرسمي، فقد مثل سقوط المحروسة، قلعة الإسلام الحصينة، والكهف الآمن لشعوبه العديدة، وانتاجه الثقافي التالد، في قبضة قوة أوروبية/مسيحية - وهكذا رآها المسلمون المعاصرون رغم حقيقة القيم الجديدة التي أتت بها الثورة الفرنسية وعصر الجمهورية - حدثًا جللًا يستحق الانتباه والأسى والحشد للجهاد.
يقول عالم الاجتماع العراقي علي الوردي في كتابه (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث): «الواقع أن فتح القائد الفرنسي نابليون بونابرت لمصر عام 1798 كان من أهم الأحداث التي وقعت للدولة العثمانية في العصر الحديث وهزتها هزا عنيفا». ثم يستعين الوردي بالمؤرخ العراقي ياسين العمري (توفي 1820) الذي كان معاصرا للحملة الفرنسية، وسجل شهادته عنها من مدينته الموصل في كتابه (غرائب الأثر في حوادث ربع القرن الثالث عشر).
يقول العمري: «إن السلطان سليم الثالث لم يعلم بما جرى في مصر إلا بعد شهرين، فلما بلغه الخبر جعل يبكي على الإسلام وأحضر الوزير الأعظم عزت محمد باشا فشتمه ونفاه، وعزل شيخ الإسلام، واستدعى يوسف باشا فقلده الوزارة العظمى، وخرج هذا من إسطنبول بمائة وعشرين ألف فارس».
يتابع: «وكان السلطان قد أعلن الجهاد الديني فاستجاب الكثيرون له في الحجاز والشام وشمال أفريقيا. ففي الحجاز، ضج الناس واجتمعوا في الحرم وخطب فيهم رجل من الأشراف يسمى الكيلاني يحضهم على الجهاد فتطوع معه نحو ستمائة من المجاهدين وركبوا البحر نحو الصعيد وهم مصممون على الموت، فانضم إليهم بعض أهل الصعيد، وبعض الأتراك والمغاربة، وأبدوا بسالة في محاربة الفرنسيين. وجاء من درنة في طرابلس رجل لقب نفسه بالمهدي، وانضم إليه رجال القبائل من أولاد علي والهنادي وغيرهم، وسار بهم إلى دمنهور فأباد حاميتها الفرنسية».
أما في العراق، بلد المؤرخ ياسين العمري، «فكان صدى الحادث ضعيفا وذلك لبعد المسافة بين البلدين من جهة، ولانشغال العراقيين بالخطر الوهابي الذي كان يومذاك في عنفوانه من الجهة الأخرى. فلم يتطوع منهم لمحاربة الفرنسيين سوى رجل كردي اسمه بير رجب بن حسن الزيباري العقراوي، وكان قد رأى في المنام رسول الله يأمره بالجهاد ويبشره بأنه إذا وصل إلى مصر فستفتح بعد حصار ثلاثة أيام. وذهب الرجل مع عشرين مقاتلا من الأكراد والتحق بالجيش العثماني فأكرمه يوسف باشا وكتب له فرمانا في أربعين أقجة من خراج الموصل».
ذكر العمري كذلك تعاون القوى الأوروبية مع السلطان العثماني سليم الثالث لطرد الفرنسيين من مصر، خصوصا الإنجليز، خوفا من أن يؤدي استقرار بونابرت في المحروسة إلى وصول الأساطيل الفرنسية إلى الهند، حيث المستعمرات الإنجليزية الأكبر والأهم.
يقول العمري: «اتفق مع السلطان سليم قرال (ملك) الأنكروس (الإنجليز) وقرال النمسا وغيرهم على محاربة الفرنسيين وأرسلوا العساكر في المراكب مع مراكب المسقوف (أي الروس) وقطعوا الطريق على الفرنسيين وملكوا منهم اثني عشر مركبا كلها ذخائر وأسلحة وبارود ورصاص..".
وكما يلاحظ عالم الاجتماع العراقي علي الوردي، فإن العمري لم ينس «تنبؤات الشيخ محيي الدين بن عربي حول هذا الحادث (الحملة الفرنسية) كما هي عادته في الأحداث الأخرى، فهو ينقل عن كتاب الشجرة النعمانية لابن عربي قوله: "وراءات الأسماء الشريفة تشير برموزها إلى سفك الدماء وظهور الفساد وخراب البلاد وهي بداية خراب الدنيا.. ويجلس يوسف على سري يوسف". ويقول إن في هذا إشارة إلى الوزير الأعظم يوسف باشا حين استعاد مصر وجلس على سرير يوسف عليه السلام».
ويعلق الوردي بقوله مختتمًا: «استمر احتلال الفرنسيين لمصر زهاء ثلاث سنوات، وكان على الرغم من قصر مدته ذا أثر بالغ في المجتمع المصري، ومن الممكن مقارنته من حيث تأثيره الاجتماعي بالاحتلال البريطاني للعراق أثناء الحرب العالمية الأولى، فقد كان الاحتلال الفرنسي سببا لظهور تغير اجتماعي سريع في مصر، وكان لانتقالها من حياة العصور الوسطى إلى حياة العصر الحديث».
شاركنا بتعليقك
تقع المسؤولية الأدبية والقانونية للتعليقات والمساهمات المنشورة على الموقع، على صاحبها، ولا تعبر بأى شكل من الأشكال عن رأى إدارة الموقع