بمشاركة 6 دول.. شركات تركية تروج لصناعاتها الدفاعية في أنقرة
الأتراك والصحافة السورية: «إما تأييد السلطان أو الاعتقال»

عدد من جريدة الجوائب لصاحبها أحمد فارس الشدياق
كتب: خالد أبو هريرة
في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، كانت الصحافة إحدى المكتسبات الكبيرة التي نالها العرب من وراء عمليات التحديث في الشرق الأوسط. خصوصًا في بلاد الشام التي تأثر أهلها كثيرًا بوجود الإرساليات التبشيرية الأجنبية، والأجواء الفكرية التي أثاروها بين ظهرانيهم. ومن هنا، كان السبق للسوريين واللبنانيين في إصدار الصحف والمجلات، والتي وإن بدأت مثل كل شيء متعثرة ضعيفة اللغة والموضوع، فإن عودها لم يلبث أن اشتد، وصارت بوقًا سياسيًا ضد السياسات العثمانية في الشام. وهو ما دفع الأتراك إلى مصادرة تلك الصحف والقبض على أصحابها، أو تحويلها إلى أداة في أيدي السلطة.
يقول الأديب اللبناني الشهير جرجي زيدان في كتابه (تاريخ الآداب العربية) عن الصحافة السياسية العربية، والتي كان للسوريين السبق فيها: «السوريون سبقوا إليها لاضطراب جو السياسة في بلادهم يومئذٍ، يكفيك من ذلك حرب القرم سنة ١٨٥٤، وما جرت وراءها من الذيول، غير حوادث الشام سنة ١٨٦٠، وما تقدمها من الفتن اللبنانية بعد خروج الجنود المصرية من سوريا، والسوريون عقولهم متحركة، وفيهم نشاط وهمة وميل فطري إلى الأدب، فالفتن والحروب حركت الضغائن المؤسسة على المسألة الشرقية، وتداخلت الدول الإفرنجية في شئون الدولة العثمانية، فتحركت أقلامهم فصدرت أول جريدة عربية سياسية غير رسمية في أثناء حرب القرم بالأستانة سنة ١٨٥٥، أصدرها رزق الله حسون الحلبي، وسماها (مرآة الأحوال) لم يزد عمرها على سنة إلا قليلًا، وكانت خطتها ضد الأتراك، ولهجتها في الطعن شديدة، فقررت الحكومة القبض على صاحبها ففر إلى روسيا، فالحلبيون أسبق الشرقيين إلى إنشاء الصحف السياسية العربية».
تلا إغلاق (مرآة الأحوال)، صدور جريدة سورية سياسية جديدة هي «(حديقة الأخبار) في بيروت سنة ١٨٥٨ لصاحبها خليل الخوري، وهي أول جريدة عربية صدرت في المملكة العثمانية خارج الأستانة، وكان في عزمه أن يجعلها عمومية وسماها (الفجر المنير)، ثم عدل عنه إلى حديقة الأخبار، وبعد سنتين من صدورها جرت حوادث سوريا سنة ١٨٦٠، وجاء فؤاد باشا مندوبًا لتسوية مسائلها، فاقترح على خليل الخوري أن يجعل جريدته شبه رسمية، وعينت له الحكومة راتبًا شهريًّا ريثما ظهرت جريدة (سوريا) الرسمية، وجعل فرنكو باشا حاكم لبنان يومئذٍ جريدة حديقة الأخبار رسمية للبنان مدة، ولم يطل دفع الرواتب له، لكنه ما زال يصدرها إلى وفاته سنة ١٩٠٧، وصدرت بعده إلى سنة ١٩٠٩».
وكلام جرجي زيدان يدل يشير إلى تنبه العثمانيين في الشام لخطورة الصحافة، ومحاولتهم تدجينها في صالح إرادة إسطنبول. وعلى أي حال، يتابع زيدان فيقول: «والظاهر أن صدور حديقة الأخبار أثار الغيرة في رجال الأدب السوريين للاقتداء به، فظهرت في سنة ١٨٥٨ نفسها جريدتان عربيتان خارج المملكة العثمانية، إحداهما اسمها (عطارد) ظهرت في مرسيليا لم يطل بقاؤها، والثانية (برجيس باريس)، أصدرها الكونت رشيد الدحداح اللبناني في باريس، وعني بإتقان طبعها ونشرها، وبعد أربع سنوات عهد بأمرها إلى سليمان الحرائري التونسي، وتوقفت في سنتها الخامسة».
وضمن سياسات التدجين العثمانية للصحافة الشامية، جاء ظهور جريدة «(الجوائب) في الأستانة لصاحبها أحمد فارس الشدياق، أحد أركان النهضة العربية الأخيرة. وكان للجوائب شأن عظيم عند أدباء العرب، ونفوذ لدى ولاة الأمر بالأستانة وغيرها».
كانت هذه المجموعة الباكرة من الجرائد السورية، سواء والت السلطة العثمانية أم عادتها، مقدمة لمجموعة أخرى من الجرائد أخذت في الظهور منذ الربع الأخير في القرن التاسع عشر وحتى فترة الحرب العظمى (1914 - 1918)، وأصبحت أشد تركيزًا على القضية العربية، وانتقاد السلطات العثمانية، والمناخ الفكري العام في الشرق، خاصة تلك الجرائد التي أصدرها أمثال بطرس البستاني، ويعقوب صروف، بل وجرجي زيدان نفسه، وكانت المطبوعات التي أصدرها هؤلاء كلهم، خطوة مهمة جدًا في تأسيس ما عرف بعصر النهضة العربية، التي جعلت الاستقلال عن الدولة العثمانية، والتخلص من الحكم التركي، هدفً رئيسيًا له.
شاركنا بتعليقك
تقع المسؤولية الأدبية والقانونية للتعليقات والمساهمات المنشورة على الموقع، على صاحبها، ولا تعبر بأى شكل من الأشكال عن رأى إدارة الموقع