إيريت ليليان.. تعرف على سفيرة إسرائيل الجديدة لدى تركيا

إيريت ليليان أثناء عملها سفيرة لإسرائيل في بلغاريا

إيريت ليليان أثناء عملها سفيرة لإسرائيل في بلغاريا

كتب: خالد أبو هريرة

في 4 فبراير الجاري، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي عن تعيين إيريت ليليان، كـ«قائم بأعمال» السفير في تركيا، في رد فعل يمكن وصفه بالمتأخر من تل أبيب، على تعيين أنقرة لأفق أولوتاش، رئيس مركز الأبحاث التابع لوزارة الخارجية التركية، سفيرًا لبلاده لدى إسرائيل بداية ديسمبر الماضي.

ليليان (59 عامًا)، التي انضمت إلى فريق الخارجية الإسرائيلية في عام 1986، وعملت سفيرًا في بلغاريا بين عامي 2015 و2019، تعتبر من أبرز الدبلوماسيين في الدولة العبرية. وهي توصف - على مستوى المعرفة المهنية - بـ«الخبيرة في الشأن التركي»، ما دفع بعض المراقبين إلى اعتبار تعيينها خطوة إيجابية من تل أبيب، نحو تطبيع العلاقات مع أنقرة، وإنهاء فترة من النزاع الدبلوماسي بين الدولتين، ممتدة منذ عام 2018، حين أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، طرد السفير الإسرائيلي من بلاده، بعد قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، الأمر الذي كان يعني اعتبار الأخيرة عاصمة أحادية لإسرائيل دون الشعب الفلسطيني.

إيريت ليليان

رغم هذه النظرة الإيجابية بشكل مبدئي إلى تعيين ليليان في أنقرة، فإن ظروفًا إقليمية ودولية، حملت العديد من التحليلات على عدم التعجل والحكم برجوع كامل للعلاقات التركية الإسرائيلية في المستقبل المنظور.

أول تلك الظروف يتعلق بالواقع الجيوسياسي المستجد في الشرق الأوسط، الذي فرضته اتفاقات أبراهام للتطبيع بين إسرائيل ومجموعة من الدول العربية (الإمارات العربية المتحدة، البحرين، السودان). أزالت «أبراهام» عزلة تاريخية كانت تعيشها إسرائيل وسط محيط عربي معادي ورافض، منذ تأسيس الكيان الصهيوني في عام 1948، ودفعها طوال العقود السبعة الماضية، إلى البحث عن حلفاء شرق أوسطيين يساعدونها على الانعتاق من تلك العزلة. ووفرت تركيا، على الأقل حتى أواخر تسعينيات القرن الماضي، وإيران حتى اندلاع الثورة الإسلامية 1979، إضافة إلى إثيوبيا في شرق أفريقيا، تلك الفرصة لقادة الدولة العبرية بنسب متفاوتة، فيما عرف باستراتيجية «الرمح الثلاثي».

دخول إسرائيل في علاقات دافئة مع القوى العربية، يجعل «الرمح الثلاثي» إلى حد كبير جزءًا من الماضي، بما أن أسباب تدشينها بدأت في التبدد، ولم تعد تل أبيب في حاجة إلى التودد لأعضاء الرمح الثلاثي - والذين لم تبق منهم غير تركيا وإيران - طلبًا للمساعدة ضد العرب.

وعلى العكس من ذلك الزهد السياسي الإسرائيلي الناشئ، وفي مفارقة تدعو للتندر، فإن تركيا اليوم، هي التي باتت مضطرة إلى التودد لإسرائيل، للحصول على مساعدتها في مواجهة التحديات التي ينتظرها نظام الرئيس التركي أردوغان، عقب انتخاب إدارة أمريكية جديدة برئاسة الديمقراطي جو بايدن.

فبايدن الذي أعلن صراحة أثناء حملته الانتخابية عن رغبته - إن فاز برئاسة البيت الأبيض - في دعم المعارضة التركية لإسقاط أردوغان، وجعل الأخير «يدفع الثمن»، عقابًا لتعاونه العسكري مع روسيا، وضربه حلفاء واشنطن من الأكراد، وأخيرًا تهديده بإغلاق قاعدة إنجرليك جنوب تركيا في وجه سلاح الجو الأمريكي، يمثل وجوده بالنسبة للنظام التركي، والمنخرط أصلًا في صراعات عسكرية وسياسية واسعة النطاق بين الشرق الأوسط وجنوب القوقاز وشرق البحر المتوسط، أزمة كبيرة لا بد من التعامل معها، والوصول إلى نقطة التقاء بين أنقرة وواشنطن بدلا من الصدام المتوقع.

تمثل إسرائيل كمحمية أمريكية في الشرق الأوسط، البوابة الواسعة أمام أردوغان لتحقيق هدفه ذاك. وهو ما يفسر التحركات التركية الدؤوب منذ إعلان فوز بايدن بسباق الانتخابات الأمريكية نهاية العام المنصرم للتقارب مع إسرائيل، حيث أعلن عن تعيين أفق أولوتاش سفيرًا لتركيا في الأخيرة، في خطوة هي الأولى منذ عام 2018، وذلك قبل أن يتم تجميد التعيين بسبب سكوت تل أبيب التي لم تعين إيريت ليليان سوى مؤخرا. كما صرح الرئيس التركي في 25 ديسمبر 2020 عن رغبة بلاده في علاقات أفضل مع الدولة العبرية، إضافة إلى إشارات من رجال دولته إلى محادثات استخباراتية بين أنقرة وتل أبيب.

في الجهة المقابلة، وعلى العكس من ذلك التقارب التركي المدفوع بقوة الاحتياج، تبدو إسرائيل أكثر هدوءًا في مسألة التطبيع من جديد مع أردوغان، الذي أصبح يمتلك في الخيال السياسي لتل أبيب، نتيجة الهبوطات المستمرة في العلاقات بين البلدين، عقب انتقاد شيمون بيريز في مؤتمر دافوس (2009)، وحادث ماوي مرمرة (2010)، والقصف الإسرائيلي لغزة (2014)، وأخيرًا حادثة نقل السفارة الأمريكية للقدس (2018)، صورة الحليف المتقلب غير المؤتمن، الذي لا ينفك عن انتقاد إسرائيل علانية، ويقارنها بألمانيا النازية، كي يكسب أرضية شعبية واسعة في العالمين العربي والإسلامي.

تفهم إسرائيل جيدًا سبب الاندفاع التركي نحوها مؤخرًا، وتراها فرصة ممتازة للضغط على أردوغان، وإجباره على شروط طالما رفض التصديق عليها قبل التطبيع بين البلدين، على رأسها إنهاء علاقات أنقرة الدافئة بحركة المقاومة الإسلامية في فلسطين (حماس)، التي يعيش قادتها في تركيا، وتتهم عناصرها باتخاذ المأوى التركي كمنصة لشن حرب سيبرانية ضد إسرائيل. وقد بدأت تل أبيب فعلًا، سواء في تصريحات الخارجية الإسرائيلية أو في تحليلات المراقبين غير الرسميين، في اعتبار وقف الدعم الذي يقدمه أردوغان لحماس، شرطًا غير قابل للتفاوض لاستعادة العلاقات مع تركيا. وقد رد مسؤول من نظام أردوغان على ذلك - وفقا لتقرير نشره موقع «ميدل إيست آي» - باتهام إسرائيل بممارسة الألاعيب، نافيًا تهم تدبير حماس الهجمات على إسرائيل من فوق الأراضي التركية.

إن كل ما سبق، يجيب عن أسباب عدم التفاؤل - على إطلاق اللفظ - بتعيين إيريت ليليان رئيسًا للبعثة الدبلوماسية الإسرائيلية في أنقرة، على الرغم من إيجابية الاختيار في حد ذاته. لأن تطبيع العلاقات هذه المرة بين تركيا وإسرائيل، سوف يفرض على أردوغان أكثر من أي وقت مضى، الانصياع لمطالب تل أبيب، إذا كان يرغب حقا في وساطة إسرائيلية بينه والرئيس الأمريكي جو بايدن. أما إن أصر الرئيس التركي على حيله السياسية التي لا تنتهي، فإن إسرائيل سوف تستمر في إدارة ظهرها له، تاركة إياه في عزلة إقليمية، عانت منها هي لسبعين خريفا مضى.

شاركنا بتعليقك

تقع المسؤولية الأدبية والقانونية للتعليقات والمساهمات المنشورة على الموقع، على صاحبها، ولا تعبر بأى شكل من الأشكال عن رأى إدارة الموقع