عماد الدين حسين يكتب: هل انحنى أردوغان لبايدن؟!

عماد الدين حسين

عماد الدين حسين

هل انحنى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وقبل يد الرئيس الأمريكي جو بايدن، يوم الاثنين الماضي، في مقر حلف شمال الأطلسي، في العاصمة البلجيكية بروكسل، أم أن كل ما حدث هو سوء فهم ومجرد «فوتوشوب»؟!

صحيفة «فاينشيال تايمز» الأمريكية نشرت يوم الاثنين الماضي، صورة لأردوغان تظهره، منحنياً أمام بايدن ويحاول تقبيل يده، في أول لقاء بينهما منذ انتخاب بايدن رئيساً للولايات المتحدة في نوفمبر من العام الماضي.

مستشار الرئيس التركي إسماعيل جسور، انتقد الصحيفة الأمريكية بقوة، واعتبر الصورة مهينة لأردوغان وللشعب التركي.

في رأى جسور، فإن هذه «الصورة، تعكس مدى قوة ونضال أردوغان على جميع الساحات». بل قال جسور عن رئيسه: «ما يفعله أردوغان يجعله يبدو وكأنه فى حلبة مصارعة طوال الوقت».

لكن الأمر لا يبدو كذلك لدى الكثير من المواطنين الأتراك، الذين نظروا إلى هذه الصورة باعتبارها دليلاً جديداً على خضوع أردوغان المستمر والمتكرر للرؤساء الأمريكيين.

تعليقات بعض هؤلاء المواطنين على نشر الصورة في «الفاينشيال تايمز»، أو فى مواقع تركية مختلفة، تعطى انطباعاً بحالة شديدة من الغضب، ليس فقط من «الفاينشيال تايمز»، كما يزعم جسور، ولكن من رئيسهم الذى جعل صورة تركيا مهزوزة بهذه الصورة.

في تقديري، فإن المصور الذي قام بالتقاط هذه الصورة يستحق جائزة الصحافة المصورة، لأنه قدم صورة بمليون كلمة، يمكن لأي وسيلة إعلام أن تستخدمها في أى وقت تشاء للتدليل على التناقض السافر بين أقوال أردوغان وأفعاله؟

قد يتعلل أردوغان ومستشاروه ومساعدوه، بأن الصورة لم تعبر عن حقيقة الموقف، وقد يختلقون عشرات المبررات من قبيل أن الصورة لم تقدم حقيقة ما حدث، وأن أردوغان كان  يحاول مساعدة بايدن على النهوض أو الحركة وليس الانحناء له؟

 لكن ما فات هؤلاء جميعاً أمران مهمان جداً. الأول هو الدلالة الرمزية لصور وحركات وكلمات وألفاظ القادة وكبار السياسيين. الجمهور أو الرأى أو وسائل الإعلام، لا تتوقف كثيراً عند المبررات الوقتية، ما يبقى لديها هو الدلالة الرمزية، خصوصاً للصور. لأن الصورة هي التي تبقى والمعنى الوقتي سيتلاشى.

وإذا كانت الرمزية مجرد شكل فإن الأمر يصبح أكثر أهمية حينما يتطابق هذا الشكل مع المضمون.

ومشكلة قطاع كبير من  الأتراك مع رئيسهم، أن أقواله تتناقض كثيراً مع أفعاله.

 هو يحاول طوال الوقت أن يبدو «أسدًا هصورًا» أمام شعبه، وأنه يتصدى لمحاولات الدول الأجنبية، التي تحاول إضعاف بلاده أو التأثير على سياساته. لكن على أرض الواقع فإن هذه الصورة التي يحاول أردوغان ومساعدوه ترسيخها لدى الرأي العام التركي ليست صحيحة، أو على الأقل ليست دقيقة.

 على أرض الواقع، فإن أردوغان قوي جدًا، حينما يتعلق الأمر بقمع معارضيه الأتراك، هو سجن وفصل وشرد الآلاف من المعارضين بحجج مختلفة منذ «مسرحية الانقلاب» فى يوليو 2016.

لكن حينما يتعلق الأمر بالخارج، والتعامل مع عدد من القادة الأجانب، فإن الأمر مختلف تماماً.

مثلاً أردوغان حاول أن يرسخ صورة مفادها أنه عدو كبير لإسرائيل، وأنه تصدى لشيمون بيريز في 30 يناير 2009، فى منتدى دافوس، ثم فوجئ الجميع بأن أحمد داود أوغلو يفضح هذه التمثيلية، ويؤكد أنه شخصياً اتصل فى نفس الليلة بشيمون بيريز، بناء على طلب أردوغان، واعتذر له عما حدث!!

هناك واقعة مهمة جداً أيضاً حينما أرسل أردوغان قافلة سفن أو أسطول الحرية بقيادة السفينة «آفي مرمرة» دعماً لغزة، وارتكبت إسرائيل مجزرة بحق 581 شخصاً كانوا على متن هذه  السفن في 31 مايو، 2010، لكن أردوغان لم يتخذ أى إجراء عملي باستثناء الإدانات اللفظية واستدعاء السفير.

وقبل أيام ارتكبت إسرائيل عدوانًا جديدًا على غزة والقدس، ولم يحرك أردوغان أساطيله ومقاتلاته لنصرة المسجد الأقصى وأهل فلسطين، لكنه حرك فقط مدافعه الكلامية شديدة الانفجار.

قبل أكثر من ثلاثة أعوام رفض أردوغان طلب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الإفراج عن القس أندرو برانسون، الذي كان مسجوناً بتهمة مساعدة فتح الله جولن. وقتها هدد ترامب أردوغان بأنه سيدمر اقتصاده فرضخ وأفرج عن برانسون من دون قيد أو شرط في 12 أكتوبر 2018.

الوقائع المدللة على صحة التناقض بين أقوال وأفعال أردوغان كثيرة جدًا، ومن لا يصدق عليه أن يراجع ما فعله أردوغان بحق معظم دول الجوار ودول المنطقة طوال السنوات العشر الماضية، ثم تغييره لمعظم هذه السياسات فى الأسابيع الأخيرة، وتودده إلى معظم الدول العربية التى دخل معها في عداء شديد. الأمر الذى دفع كثيرًا من المواطنين الأتراك للتساؤل: إذا كان الأمر كذلك، فلماذا دخلنا في حالة العداء مع كل هؤلاء؟!

ما هو أخطر من صورة «الفاينشيال تايمز»، هي الصورة الفعلية التي ينظر بها غالبية الأتراك لرئيسهم، والمفترض أن ذلك هو ما ينبغي أن يقلق أردوغان ومستشاريه وحزبه.

شاركنا بتعليقك

تقع المسؤولية الأدبية والقانونية للتعليقات والمساهمات المنشورة على الموقع، على صاحبها، ولا تعبر بأى شكل من الأشكال عن رأى إدارة الموقع