بمشاركة 6 دول.. شركات تركية تروج لصناعاتها الدفاعية في أنقرة
عماد الدين حسين يكتب: أردوغان يعرقل «برلين 2»

عماد الدين حسين
يوم الأربعاء قبل الماضي، انعقد مؤتمر «برلين 2» المعني بحل الأزمة في ليبيا، بحضور كل الأطراف الإقليمية والدولية المرتبطة أو المتأثرة أو المتورطة في هذه الأزمة.
من بين الحاضرين كانت تركيا، باعتبارها الطرف الأكثر تورطًا في هذه الأزمة منذ سنوات وحتى هذه اللحظة.
هذا المؤتمر ورغم أن كثيرين يشككون في قدرته على فرض حلول عملية للأزمة، إلا أنه كان كاشفًا بصورة واضحة لحقيقة مواقف الأطراف الفاعلة في الأزمة.
حينما تم طرح بند يدعو إلى ضرورة خروج كل القوات الأجنبية والمرتزقة الموجودين في ليبيا منذ اندلاع الأزمة، فقد تحفظت تركيا على هذا البند المهم.
وهكذا ظهرت حكومة أردوغان بوجهها الحقيقي. هي تتحدث ليل نهار عن ضرورة الحل السياسي في ليبيا، لكن حينما أجمع العالم كله تقريبًا، أو أطرافه الفاعلة على ضرورة خروج القوات الأجنبية والمرتزقة، وجدناها تتحفظ، وهو تحفظ يعني عمليا وضع فيتو على أي تحرك جاد لحل هذه الأزمة.
المفترض وطبقاً للتفاهمات السابقة، فإن الانتخابات الليبية سوف تجرى في 24 ديسمبر المقبل. هذه الانتخابات يراهن عليها الكثيرون كي تمثل بداية لخروج ليبيا من المستنقع، الذي وجدت نفسها تغرق فيه، بسبب الأوضاع المأساوية التى تعيشها منذ نهاية عام 2011.
اتضح للجميع، أن حكومة أردوغان جزء من المشكلة الليبية، وليست جزءًا من الحل، كما كانت تزعم دائماً على لسان رئيس الدولة وكبار مساعديه.
هي تدخلت في الأزمة وأرسلت قوات رسمية وخبراء ومعدات عسكرية ومرتزقة معظمهم ينتمون إلى تنظيمات متطرفة في المناطق التي تحتلها في سوريا.
هى تمكنت من تعطيل سيطرة الجيش الوطني الليبي على العاصمة طرابلس، وكانت تزعم دائماً أن قواتها ليست للبقاء الدائم، بل جاءت لهدف محدد، ثم نتفاجأ الآن بأنها تريد لهذه القوات أن تبقى إلى ما لا نهاية، حتى تضمن استمرار سيطرة التيارات المتطرفة المرتبطة بها على مجريات الأمور في ليبيا. هي نجحت في الحفاظ على حكومة الميليشيات التي كان يقودها آنذاك فايز السراج، وتريد أن تهيمن على حكومة عبدالحميد الدبيبة، وتحصل على المقابل في صورة سيطرة كاملة على كل الثروات الليبية، خصوصاً البترول والغاز والموانئ ومشروعات إعادة الإعمار لمواجهة الأزمة الاقتصادية الطاحنة في تركيا، التي تفاقمت بسبب سياسات أردوغان المتخبطة، وتريد أن تستخدم ليبيا كنقطة انطلاق للسيطرة على المنطقة بأكملها. وحاولت أن تستخدمها لمناكفة مصر، ودعم الجماعات المتطرفة، التى أسقطها الشعب المصرى في 30 يونيو 2013، لكنها لم تنجح في ذلك، بل اضطرت إلى مغازلة الحكومة المصرية وإعادة العلاقات معها.
لا يمكن بأى حال من الأحوال الحديث عن أي انتخابات ليبية نزيهة وموثوقة، في حين أن هناك قوات أجنبية ومرتزقة ما يزالون هناك. هذه القوات هي أكبر تهديد لأي عملية استقرار سياسى في ليبيا، وبالتالي، فإن هذه الانتخابات مهددة في جوهرها، إذا لم تقبل تركيا حكم المجتمع الدولي الداعي إلى سحب كل القوات الأجنبية والمرتزقة.
التبرير التركي بأنه لا يمكن المساواة بين القوات الأجنبية والمرتزقة تبرير ساذج، ولا ينطلي على أحد. هى منذ البداية حينما أرسلت قوات ومرتزقة معاً، كانت تعرف أنها ستصل إلى هذه النقطة الحالية، وبالتالي يمكنها الزعم بأن هناك نوعين من القوات: مرتزقة يمكن سحبهم، وقوات رسمية تقول إنها دخلت بطلب من الحكومة الموجودة في طرابلس في هذا الوقت. وهو تبرير غريب لأن الطرف الثاني وهو حكومة شرق ليبيا التي كان يدعمها مجلس النواب المعترف به دوليًا، كان يمكنها بنفس المنطق أن تطلب قوات أجنبية من دول كثيرة تعترف بها، ولا تجعلها تغادر ليبيا إلا بعد انتهاء الأزمة تماماً.
مناورات تركيا صارت مكشوفة، فهي تقوم بعملية «تدوير للمرتزقة»، بحيث تسحب مجموعة منهم، وتتوسع في تغطية أخبار مغادرتهم ليبيا إعلاميًا، ثم تعيدهم سرًا مرة أخرى إلى ليبيا في صورة عمال أو موظفين في العديد من الشركات التركية، التى تريد أن تستولي على كافة المشروعات الليبية، كثمن لنجدتهم التيارات المتطرفة المحسوبة عليهم.
مؤتمر «برلين 2» أصدر توصيات مهمة جدًا، لكن المشكلة الكبرى في هذا المؤتمر وغيره من المؤتمرات المشابهة، هو كيف يمكن تطبيق التوصيات على أرض الواقع، وما هي الآليات التي يملكها العالم لتطبيق هذه التوصيات؟
التحفظ التركي وضعف التمثيل الروسى يكشفان أن توصيات «برلين 2»، قد تظل حبرًا على ورق، خصوصًا في ظل تعثر المسار السياسي، وعدم الاتفاق حتى الآن على القاعدة الدستورية التى ستجري على أساسها الانتخابات المقبلة.
مرة أخرى لا يمكن الحديث عن انتخابات في ديسمبر المقبل، من دون خروج القوات الأجنبية والمرتزقة، وأن يؤمن كل الليبيين بأن مستقبلهم في تفاهمهم الداخلي وليس الاستقواء بالأجنبي، سواء كان تركيًّا أو من أي دولة أخرى.
شاركنا بتعليقك
تقع المسؤولية الأدبية والقانونية للتعليقات والمساهمات المنشورة على الموقع، على صاحبها، ولا تعبر بأى شكل من الأشكال عن رأى إدارة الموقع