بمشاركة 6 دول.. شركات تركية تروج لصناعاتها الدفاعية في أنقرة
«هاجمت بكين توددًا لواشنطن»: هل تحصد صوماليلاند الاعتراف أخيرا باستقلالها؟

وفد الكونجرس الأمريكي في صوماليلاند
كتب: خالد ابو هريرة
وفد من الكونجرس الأمريكي وصل أرضها للمرة الأولى، وجلسة «مختلفة» في البرلمان البريطاني حولها، دفعت النشطاء السياسيين في صوماليلاند للتفاؤل الواسع بإمكانية انتزاع البلد الصغير الواقع في منطقة القرن الأفريقي، لاعتراف دولي طال انتظاره لثلاث عقود متواصلة.
فما هي حكاية صوماليلاند، وما الجديد حولها؟..
صوماليلاند.. المكان والتاريخ
هي صوماليلاند، أو جمهورية أرض الصومال. تقع في منطقة القرن الأفريقي، على شاطئ خليج عدن، في الأراضي الشمالية من الصومال. في القرن التاسع عشر الميلادي، خضعت الأراضي الصومالية للاحتلال العسكري من قبل القوى الأوروبية. وبينما تواجد الطليان في المناطق التي تشكل اليوم الحكومة الفيدرالية الصومالية وعاصمتها مقديشو، فإن بريطانيا، والتي كانت ترغب في تأمين تجارتها وبوارجها العسكرية المتحركة بين المملكة البريطانية ومستعمراتها في الهند، والتي تعبر بمضيق باب المندب، وضعت يدها على المنطقة المعروفة الآن بـ صوماليلاند، وأعلنتها محمية بريطانية في العام 1887.
الإعلان البريطاني خلق لـ صوماليلاند حدودًا تعرفها جغرافيًا وتميزها عن البقاع الأخرى في القرن الإفريقي، حيث أصبحت المحمية الناشئة يحدها من الشمال جيبوتي الخاضعة للاحتلال الفرنسي، ومن الجنوب الإمبراطورية الإثيوبية، ومن الشرق الصومال الإيطالي.
وفي 26 يونيو 1960، أثناء موجة التحرر القومي في العالم الثالث، أصبحت صوماليلاند دولة مستقلة ذات سيادة، واعترفت بها 35 دولة عبر العالم، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية. غير أنه لم تمضي سوى أيامًا قلائل، حتى أعلنت صوماليلاند في يوم 1 يوليو 1960، عن قبولها الاتحاد مع الصومال الإيطالي المستقل حديثًا هو الآخر، بهدف إنشاء كيان سياسي كبير أطلق عليه اسم (الصومال الكبرى)، يضم سائر القبائل والعشائر ذات الأصل الصومالي. ولكن الاتفاقيات القانونية الخاصة بالاتحاد بين الجانبين، ظلت موصوفة بـ غير المكتملة، والمشكوك في صلاحيتها. وهذا ترك أثره على الاستفتاء على الدستور الصومالي الذي تم في يونيو 1961، وقاطعه أهالي صوماليلاند.
الحرب الأهلية والاستقلال «مرة أخرى»
عانت صوماليلاند من العزلة السياسية في السنوات التالية لإتمام الاتحاد مع الصومال، مع منح الأفضلية في المناصب السياسية والعسكرية الحساسة فيها إلى العناصر الصومالية المنتمية إلى مقديشو. وهو ما تسبب في محاولة للانقلاب العسكري ضد الاتحاد الصومالي في العام 1961، قام بها مجموعة من الضباط من صوماليلاند.
ونتيجة سنوات الديكتاتورية العسكرية في الصومال، والتي بدأت مع وصول محمد سياد بري إلى السلطة في مقديشو بانقلاب عسكري العام 1969، بدأت تتكون في صوماليلاند مجموعات معارضة مسلحة، كان أبرزها الحركة الوطنية الصومالية (SNM) التي تأسست في العام 1981، وخاضت حربًا طاحنة ضد سياد بري، أدت إلى مقتل حوالي 50 ألف شخص.
ومع إعادة تشكيل منطقة القرن الإفريقي على إثر انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة، فر محمد سياد بري من مقديشو في 27 يناير 1991، ودخل الصومال في فوضى شاملة.
وفي 18 مايو 1991، أعلنت عشائر صوماليلاند المختلفة في مؤتمر جماهيري، الاستقلال عن الدولة المركزية في مقديشو، والخروج من الاتحاد الصومالي، وقيام جمهورية صوماليلاند وعاصمتها هرجيسا.
هل تم الاعترف باستقلال صوماليلاند؟
على العكس ما جرى في العام 1960، فإن استقلال صوماليلاند هذه المرة لم يلقَ قبولًا بأي صورة على المستويين الإقليمي والدولي. ولأسباب مغايرة.
فمنظمات مثل الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، ترفض فكرة الاعتراف باستقلال صوماليلاند، بسبب مخاوف من مضاعفة الأوضاع الأمنية في القرن الإفريقي سوءًا. بينما تعتبر الأمم المتحدة أن الإقرار باستقلال صوماليلاند، قد يعني ضياعًا لاستثماراتها الهائلة لتعزيز الاستقرار والوحدة في الأراضي الصومالية ككل واحد، وليس كيانات سياسية منفصلة.
وعلى المستوى الإقليمي، فإن إثيوبيا، أكبر قوى القرن الإفريقي، تفضل بقاء الوضع الراهن في الصومال على ما هو عليه، خوفًا من أن يثير استقلال صوماليلاند، الانفصاليين الصوماليين في إثيوبيا.
ما الذي دفع لتفاؤل صوماليلاند مؤخرًا إذًا؟
رغم أن الرأي السائد حتى اليوم في دوائر صنع القرار بالولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية المهتمة بشؤون القرن الأفريقي، تفضل الإبقاء على صوماليلاند كجزء من الدولة الفيدرالية الصومالية، فإن الفوضى العارمة في القرن الإفريقي، حيث الحرب الأهلية في إثيوبيا، واستمرار تهديد الحكومة الفيدرالية في مقديشو من قبل منظمة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة الجهادي، إلى جانب تنامي النفوذ الصيني في المنطقة الحيوية بسبب وقوعها على طريق التجارة العالمية، يرجح أن تغييرًا ما قد يقع في السياسة الغربية تجاه صوماليلاند.
تمتلك صوماليلاند اثنين من الموانئ البارزة على البحر الأحمر، هما ميناء زيلع وميناء بربرة. وبعد سنوات طويلة من الإهمال، التفتت القوى المتنافسة في القرن الإفريقي لأهمية تلك المرافئ، حيث حصلت شركة موانئ دبي العالمية مؤخرًا على عقد تطوير لميناء بربرة. بينما تبدي إثيوبيا، الدولة الحبيسة منذ انفصال إريتريا عنها مقتبل التسعينيات، اهتمامًا واسعًا بميناء زيلع. والأحاديث تتراوح بين رغبة أديس أبابا في الحصول على الميناء بعقد شراء من جمهورية صوماليلاند، أو حتى بغزوه عسكريًا.
وفي ظل الاستحواذ الصيني المتزايد على القرن الإفريقي، حيث تمتلك بكين قاعدة عسكرية في جيبوتي، وتستثمر اقتصاديًا بكثافة في مختلف دول المنطقة، كما تدخلت مؤخرًا بطائراتها المسيرة لإنقاذ رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في حربه الصعبة ضد حركة تحرير تيجراي، فإن صوماليلاند تلوح كقوة واعدة يمكن في حال الالتفات إليها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوروبي، أن تحقق التوازن في مواجهة الصين.
ولعل هذا ما يفسر إصغاء الطرف الأمريكي للمرة الأولى، إلى مطالبات نشطاء صوماليلاند في الشتات باعتراف واشنطن باستقلال وطنهم، وإرسال وفد هو الأول من نوعه من الكونجرس إلى صوماليلاند، وزيارة مسؤوليه.
كما أعلن أن موسى بيهي، رئيس صوماليلاند، سوف يقوم برحلة إلى العاصمة الأمريكية واشنطن قريبًا.
أيضًا شهد مجلس العموم البريطاني في 18 يناير المنصرم، جلسة حضرها ما يقرب من عشرين نائبًا بريطانيًا، وهو عدد يظهر للمرة الأولى في هذه القضية، لمناقشة الاعتراف باستقلال جمهورية أرض الصومال.
ويبدو أن هرجيسا عقدت العزم على استغلال هذا الميل الأمريكي-الغرب أوروبي إليها بصورة مثالية. ففي حركة ذات مغزى، غرضها التودد زيادة إلى واشنطن، قام وفد من صوماليلاند يقوده وزير خارجيتها موسى قايد بالسفر إلى تايوان ولقاء مسؤوليها، وعرض قطاعات النفط والغاز في أرض الصومال، أمام الاستثمارات التايوانية.
وكما كان متوقعًا، أبدت الصين اعتراضًا واسعًا على زيارة صوماليلاند، بما أنها تعتبر اعترافًا باستقلال تايوان التي تراها بكين جزءًا لا يتجزأ من الدولة الصينية. ورد قايد على الاعتراضات الصينية بطريقة مسرحية طريفة قائلًا: «لقد ولدنا أحرارًا وسنبقى أحرارًا.. سوف ندير أعمالنا بالطريقة التي نراها مناسبة.. ولا يمكن للصين أن تملي علينا أفعالنا».
في الحقيقة، يوجه وزير خارجية صوماليلاند هذه العبارات الشجاعة جدًا إلى الأمريكيين، لا الصينيين. ويروج بها لدولته كحليف ممتاز لواشنطن ضد الطموحات الصينية التي لا تتوقف في القرن الأفريقي. وكما يشيع عن نشطاء أرض الصومال في الشتات، فإن صوماليلاند تشابه وضع تايوان من عدة نواحي، ولكنها لا تتمتع بنفس الدعم الأمريكي، رغم أن البيت الأبيض يدعم استقلال تايبيه أمام عملاق مثل الدولة الصينية، بينما لا يكترث لاستقلال صوماليلاند رغم أنها تواجه دولة منهارة مثل الصومال.
ولكنها المصلحة التي تحرك الأمريكان ولا شيء سواها. وقد حانت، فهل تستغلها صوماليلاند؟.
شاركنا بتعليقك
تقع المسؤولية الأدبية والقانونية للتعليقات والمساهمات المنشورة على الموقع، على صاحبها، ولا تعبر بأى شكل من الأشكال عن رأى إدارة الموقع