بمشاركة 6 دول.. شركات تركية تروج لصناعاتها الدفاعية في أنقرة
«حكايات الحرب والإبادة والجاسوسية» لماذا كل هذا العداء البولندي لروسيا؟ (2)

بولندا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)
كتب: خالد أبو هريرة
نتابع مع لوحات الصراع الروسي-البولندي..
اللوحة الثالثة:
«عاهرة باعت نفسها للغرب»
في مطلع التسعينيات من القرن العشرين، انهار الاتحاد السوفييتي وأعلن عن هزيمة الشيوعية العالمية ونهاية الحرب الباردة. وكما كان متوقعًا، كان السؤال الكبير الذي تم طرحه يدور حول مصير التركة السوفييتية الواسعة في وسط وشرق أوروبا، إضافة إلى القوقاز وآسيا الوسطى.
حاولت روسيا الاتحادية - خليفة الاتحاد السوفييتي - الإبقاء على نفوذها في كل مناطق التمدد تلك، محذرة خصومها في التشكيل الأمريكي-غرب أوروبي من مغبة ربط البلدان السوفييتية السابقة بمصالحهم. وكانت البداية تبشر بتفاؤل حذر، فقد أسست موسكو في العام 1991 رابطة الدول المستقلة CIS كمظلة تضم بعض أعضاء العائلة السوفييتية القديمة. ثم عقدت في العام 1997 اتفاقًا مع قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تعهد الأخيرون بموجبه بعدم التمدد في المناطق السوفيتية السابقة بشرق ووسط أوروبا.
بسبب ماضيها الكريه مع روسيا، لم تنخرط بولندا في أي من تلك الترتيبات الدولية الجديدة. بل على العكس، زاد قادة وارسو من وتيرة تقاربهم مع الغرب الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، أملًا في الانضمام إلى مجموعة الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. وكان عليهم الانتظار إلى العام 2004، عندما بدأ التشكيل الأمريكي-غرب أوروبي في ضم مجموعة واسعة من بلدان شرق ووسط أوروبا إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو (ليتوانيا وبلغاريا واستونيا ولاتفيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا). وكانت بولندا أكبر تلك البلدان على الإطلاق، وأكثرها تمتعًا بالتأثير الإقليمي في داخل محيطها الجغرافي.
في روسيا، التي كانت في العام 2004 تعيش أولى دورات الرئيس فلاديمير بوتين، اعتبرت خطوة انضمام بولندا إلى الناتو «خيانة» من دولة لا يعتبرها الروس بأي صورة بلدًا أجنبيًا، وإنما جزءًا من الوطن الأم: روسيا الكبرى. وقد قوبل التسارع البولندي نحو الغرب بغضب واسع في موسكو، والتي سخرت دوائرها السياسية من عروض وارسو السخية لقادة الناتو بالمساهمة الواسعة في عمليات الحلف العسكرية، تحديدًا في العراق. ووصفت تلك الدوائر وارسو بـ الضفدع الصغير الذي يحاول مشاركة الكبار في تحديد مستقبل العالم.
ولكن بولندا، التي منحها القوميون الروس نعتًا آخر أكثر قبحًا هو: (العاهرة التي باعت نفسها للغرب)، لم تكتفي بهذه المحاولات التي تتخطى قدراتها فحسب، وإنما سعت إلى استغلال وجودها في الاتحاد الأوروبي بشكل أكثر فاعلية لإلحاق أكبر الأضرار الممكنة بالمصالح الروسية في شرق أوروبا ومنطقة بحر البلطيق. وهو الأمر الذي قلب سخرية قيادات موسكو من بولندا إلى حالة من الانزعاج الشديد. خصوصًا مع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2007، نيتها نشر منظومة دفاع صاروخية فوق الأراضي البولندية، وهو ما سارعت روسيا إلى الرد عليه بالتهديد بتنصيب صواريخ نووية في كالينينغراد.
اللوحات الرابعة والخامسة من هذا التقرير، تركز على السياسات البولندية تجاه مناطق النفوذ الروسي في كالينينغراد، ثم في أوكرانيا..
اللوحة الرابعة:
الحرب على «كالينينغراد»
كالينينغراد، هو الاسم الذي أطلقه السوفيات على المقاطعة الواقعة على شواطئ بحر البلطيق، والتي دخلت ضمن أملاك الاتحاد السوفيتي في نهاية الحرب العالمية الثانية (1945)، وتعتبر اليوم ذات أهمية استراتيجية كبرى بالنسبة لروسيا، ليس فقط لكونها أحد أكبر المراكز الصناعية الروسية على الإطلاق، وإنما كذلك لأنها تمتلك ميناء بالتييسك، وهو الميناء البلطيقي الوحيد الخالي من الجليد على مدار العام، وبالتالي فإنها مقر أسطول البلطيق الروسي، الذي يمثل مصالح موسكو في شمال أوروبا.
عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، فرض على كالينينغراد وضعًا جغرافيًا فريدًا من نوعه. فنتيجة رفض الروس التخلي عنها لأهميتها السابقة، واستقلال الجمهورية السوفيتية السابقة في الوقت ذاته، تحولت كالينينغراد إلى جيب روسي يطل على البلطيق، معزول عن الوطن الأم روسيا، وتحيط بها من جميع الجوانب كلًا من ليتوانيا وبولندا. المستقلتان عن روسيا، والمنضمتان إلى حلف الناتو.

ولأن تاريخ كالينينغراد معقد بما فيه الكفاية على المستوى الإثني، بحيث أنها قبل الغزو السوفيتي مباشرة كانت جزءًا من دوقية بروسيا الألمانية (ولذلك كان آخر أسمائها هو الاسم الألماني Königsberg، وكانت تعرف بـ بروسيا الشرقية)، كما أنها كانت أحد مقاطعات المملكة البولندية بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر الميلاديين، وأخيرًا ينظر الليتوانيون إلى الأجزاء الشرقية منها كـ(ليتوانيا الصغرى)، فإنها منذ نهاية الحرب الباردة، تعتبر مثارًا لمطالبات بإنهاء السيادة الروسية عليها، خصوصًا من طرف بولندا وليتوانيا.
في تقريرها المنشور عن وضعية كالينينغراد في نوفمبر المنصرم، قالت مؤسسة جيمس تاون إن روسيا لديها مخاوف متزايدة من خطة بولندية-ليتوانية لانتزاع كالينينغراد بالقوة من قبضتها بمعاونة حلف الناتو، الذي يرى في بقاء روسيا مطلة على بحر البلطيق تهديدًا أكيدًا لغرب أوروبا. وقد فسر التقرير تقارب موسكو في السنوات الأخيرة مع بيلاروسيا، باعتباره استراتيجية روسية هدفها حماية كالينينغراد.
وقد نقل تقرير جيمس تاون نماذج للتحليلات الروسية الخاصة بالصراع على كالينينغراد. منها التقرير الذي نشره موقع رو بلطيق في منتصف أكتوبر 2021، وقال إن بعض الساسة في الولايات المتحدة الأمريكية يفضلون استيلاء بولندا على كالينينغراد، وحرمان روسيا من موقعها الاستراتيجي. وهذا ما أيده تقرير آخر كتبه المحلل الروسي ألكسندر سوتنيكوف لصالح بوابة Svobodnaya Pressa، وذهب فيه إلى أن وارسو ترغب في أن تكون كالينينغراد هي الجائزة الكبرى التي تحصل عليها من الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، نظير مساعدتها العسكرية في أي صراع مستقبلي مفتوح بين الغرب وروسيا.
وأيًا ما كانت درجة المعقولية التي تنطوي عليها تلك التحليلات، فإن موسكو تستخدمها جيدًا في حشد الداخل الروسي بصورة مستمرة. مع إدراك خاص بأن ظهور البولنديين وهم الخصم التاريخي لروسيا في صدارة هذه «الخطط الشريرة»، سوف يمنح هذه التحليلات الرواج اللازم.
شاركنا بتعليقك
تقع المسؤولية الأدبية والقانونية للتعليقات والمساهمات المنشورة على الموقع، على صاحبها، ولا تعبر بأى شكل من الأشكال عن رأى إدارة الموقع