رهان باباجان.. هل يطيح «الفتى الذهبي المدلل» بأردوغان من رئاسة تركيا؟!

علي باباجان

علي باباجان

لا تزال السياسة التركية شاهدة على العديد من التغيرات المتسارعة في الآونة الأخيرة. فقد أسس علي باباجان، الفتى الذهبي المدلل صاحب الدبلوماسية الناعمة والشخصية الهادئة في السياسة التركية، أخيرًا حزبه الخاص الذي ينتظره الجميع في الداخل التركي بشغف كبير منذ أشهر عدة. وخلال خطاب له يوم الأربعاء الماضي، قرأ باباجان على الجميع برنامج حزبه الذي أسسه بداية الأسبوع، مطلقًا عليه اسم «حزب الديمقراطية والتقدم»، واختصارًا «DEVA».

من شاهد خطاب باباجان؛ الذي ركز خلاله على أن يبعث برسائل الرخاء الاقتصادي، والحوار، والإصلاح، وإعادة البلاد إلى مسارها الصحيح، يعلم أنه سعى بشكل واضح إلى عدم زيادة التوتر أثناء انتقاده لحزب العدالة والتنمية الحاكم ـ الذي انشق عنه مؤخرًا ـ وزعيمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

 

سيرة الفتى الذهبي لأردوغان

تخرج باباجان من أحد أعرق المدراس الثانوية في أنقرة «تيد» عام 1985، ودرس في جامعة الشرق الأوسط التقنية حتى عام 1989، ليحصل على البكالوريوس في الهندسة الصناعية محتلاً الترتيب الأول بين جميع أقرانه. سافر بعدها السياسي التركي إلى الولايات المتحدة بمنحة من مؤسسة «فولبرايت» لإكمال دراسته، وفي عام 1992 حصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من معهد «كيلوغ» للإدارة في جامعة «نورث وسترن» في ولاية إلينوي الأمريكية. وعمل باباجان لفترة في شركة للاستشارات في ولاية «شيكاغو الأمريكية» تحت اسم «QRM Inc» حتى عاد إلى تركيا مع عام 1994.

وفي عام 2001؛ بدأ باباجان، الذي يبلغ الآن من العمر ثلاثة وخمسين عامًا، حياته السياسية في حزب العدالة والتنمية بوصفه واحدًا من الأسماء الواعدة في مستقبل السياسة التركية، حيث كان من الأعضاء المؤسسين للحزب الحاكم حاليًا في تركيا بصحبة الرئيس الحالي أردوغان، والرئيس السابق عبد الله جول، وكذلك «بولنت أرينج» الذي يشغل حاليًا منصب نائب الرئيس التركي.

ومع وصول الحزب إلى السلطة خلال أول انتخابات يخوضها عام 2002، وتمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده؛ جرى تعيين باباجان وزيرًا للدولة مسؤولاً عن ملف الاقتصاد ليصبح بذلك «أصغر وزير»، وهو في عمر الخامسة والثلاثين خلال تلك الفترة، ثم تولى حقيبة الخارجية عام 2007، ثم تدرج في المناصب ليصبح في عام 2009 نائبًا لرئيس الوزراء في تركيا.

 

«الفساد» القشة التى قصمت ظهر البعير

لكن القشة التي قصمت علاقة أردوغان وباباجان من جذورها كانت هي عمليات الفساد التي جرى الكشف عنها في تركيا، خلال الفترة 17 - 25 ديسمبر 2013، حيث لم يُكَلَّف باباجان بأي عمل فعلي من أردوغان منذ عام 2015 إلى أن انشق عن حزب «العدالة والتنمية» في عام 2019.

وفقًا للتقرير الذي أعده سفير الولايات المتحدة في أنقرة، روس ويلسون، عن باباجان، في عام 2007، ونشره في «ويكيليكس»، فإن الدبلوماسيين الأوروبيين في أنقرة الذين عملوا عن كثب مع باباجان خلال مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يرون أنه ذكي وسريع التعلم ويعمل بجد.

ربما يعد باباجان هو السياسي الوحيد بين قادة تركيا الذي لديه أكثر وجهات النظر استيعابًا للقضايا العالمية، كما أنه الأكثر تفهمًا لطرق تفكير الأجانب؛ فهو يعلم جيدًا ما يريد رأس المال العالمي سماعه، ولديه خبرة جيدة للغاية فيما يتعلق بالجانب التسويقي.

ولكن في بعض الأحيان، يُذكر أن «الجانب الإنساني» لباباجان مفقود بشكل كبير. علاوة على ذلك؛ يتحدث الكثيرون عن أن باباجان لم يكن له أساس وكيان سياسي مستقل داخل حزب العدالة والتنمية، كما أنه كان يتبع سياسة «السمع والطاعة» لكل ما يقوله أردوغان حينما كان رئيسًا للوزراء، وعبد الله جول أثناء فترة رئاسته للجمهورية التركية؛ وذلك بدوره قد يشكل عقبة أمامه في السياسة الدولية في حال تمكن حزبه من تحقيق الأغلبية، وبالتالي رئاسته للوزراء وتشكيل الحكومة.

 

قلق من قدرة باباجان على السيطرة على حزبه

إن القلق بشأن عدم قدرة باباجان على إبقاء حزبه تحت السيطرة بسبب «طابعه وشخصيته الناعمة» و«كونه رجلًا ثانيًا، وليس زعيمًا مفوهًا»، الذي يبدو على أنه نقطة ضعفه الأكبر، وكذلك المخاوف حول عدم تمكنه من مقاومة ومجاراة سياسات أردوغان القاسية والعدوانية والعنيفة التي تعتمد على الخبث والمكائد، يأتي ذلك كله على رأس أوجه الانتقاد الموجهة تجاه صديق أردوغان القديم.

يُذْكَر أن أردوغان يقوم بالفعل حاليًا باتخاذ التدابير والاستعدادات لكيل الاتهامات الباطلة ضد باباجان وفريقه داخل الحزب بوصفهم منتمين إلى «جماعة غولن»، المصنفة كـــحركة إرهابية من السلطة التركية، في سعيه نحو ضرب شعبيتهم في الداخل التركي وحرق كارت حزبهم الجديد.

 

أردوغان المذعور.. وخطاب باباجان الخجول

كان عبد القادر سيلفي، أحد كتّاب صحيفة «حريت» الموالية للحكومة، قد ذكر في عموده الصحفي أن أردوغان قال خلال لقائه الأخير مع علي باباجان حيث انقطعت حينها خيوط الصداقة بينهما: «ليس لديك الحق في تمزيق الأمة». كما يُرْوَى أيضًا أن الرئيس التركي عندما وضعت أمامه أسماء المؤسسين لحزب باباجان؛ أشار بأصابع يده بشدة إلى أحد هؤلاء المؤسسين قائلًا: «هذا عميل سري لتنظيم غولن».

وكان لوقوف باباجان بشكل خجول ومتحفظ خلال خطابه الذي أعلن فيه عن برنامج حزبه تأثير كبير في حدوث الكثير من التعليقات على شاكلة «لن يدوم طويلًا، لن يكون له تأثير علي الساحة وسينتهي سريعًا»، وبخاصة في بلد تُمَارَس فيها السياسة بشكل عنيف وقاس فيه الكثير من الدهاء والخبث مثل تركيا.

 

الوعود المائعة لا تفي بالغرض

علاوة على ذلك؛ قدم باباجان وعودًا مائعة روتينية، تمامًا مثل باقي أحزاب المعارضة الأخرى، بشأن العديد من القضايا المهمة في تركيا مثل المسألة الكردية، وحقوق العلويين، وقضايا التعذيب، وانتهاكات حقوق الإنسان، وسيادة القانون، وسلطة «الرجل الواحد»، والعنف ضد المرأة. كما تجنب أيضًا السياسي المنشق عن حزب العدالة والتنمية إعطاء رسائل واضحة بشأن القضايا ذات الأولوية في تركيا.

على سبيل المثال؛ لم يستهدف باباجان بشكل مباشر ذاك الرجل الذي قاد تركيا نحو نظم رئاسي عقيم (نظام الرجل الواحد)، وأودى بتلك الدولة ذات التاريخ الكبير إلى حافة الانهيار في جميع الملفات تقريبًا من الاقتصاد وصولاً إلى الدبلوماسية والشأن الخارجي؛ وذلك ـ  بطبيعة الحال ـ  نابع من أن باباجان يعرف أكثر من أي شخص آخر أن الطاغية أردوغان يقف وراء جميع المشكلات التي يذكرها ويتحدث عنها.

 

غياب القضة الكردية في خطاب باباجان

وفيما يتعلق بحل المشكلة الكردية؛ لم يحدد وزير الاقتصاد والخارجية الأسبق نوع خريطة الطريق التي سيضعها ويتبعها نحو حل تلك المشكلة، سواء في المقابلات الإعلامية التي أجريت معه أو في برنامج حزبه. ورغم ذلك، فإن باباجان يأتي على رأس أولئك الذين يعلمون جيدًا أن تركيا لن تحصل أبدًا على السلام في الداخل دون الوصول إلى حل توافقي للقضية الكردية.

وعلى ذات الشاكلة، لم يقدم باباجان حتى الآن أي إشارات أو دلائل بخصوص الطريق الذي سيسلكه نحو التغلب على عنق الزجاجة الذي تعيشه السياسة الخارجية التركية في الآونة الراهنة. فعلى سبيل المثال؛ لم يشر إلى كيفية خروج تركيا من المستنقع السوري والليبي التي انزلقت فيهما بأيادي أردوغان ونظامه، وكذلك كيفية تحقيق توازن في العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الأوروبي وروسيا.

 

لا حلول جذرية لإنهاء ديكتاتورية أردوغان

إلى جانب كل هذا أيضًا؛ لم يتطرق مؤسس حزب «الديمقراطية والتقدم» إلى طرح حلول جذرية تجاه سياسات التخويف ونشر الإرهاب الفكري، الذي تتعرض له تركيا بأسرها، و«جماعة غولن» بصفة خاصة، وكذلك مصادرة الأموال والممتلكات واعتقال الصحفيين ورجال الأعمال والمعلمين والنساء وطلاب الجامعات، وما إلى ذلك من ممارسات قمعية انتشرت في تركيا خلال السنوات الست الأخيرة. بل على العكس تمامًا، فقد دعا بالأمس، خلال عرض برنامج حزبه، الولايات المتحدة إلى التوقف عن دعم حركة غولن والحركات والجماعات الكردية في سوريا.

 

الحياة في جلباب جول

من غير المعروف أيضًا، ما إذا كان باباجان يمكنه الخروج من ظل الرئيس السابق عبد الله جول؛ فعلى الرغم من أنه لم يدرج تقريبًا أيًا من الأسماء القريبة من جول في حزبه، إلا أن اسم باباجان كان دائمًا ما يتردد بين أوساط الشعب التركي على أنه «نائب جول الخاص».

وتؤكد العديد من الصحف التركية، وكذلك المدونون على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة أن مَهَمَّة باباجان لن تكون سهلة على الإطلاق، حيث ينتظره الكثير من العمل الشاق. ولفت أحمد تاشجتيران، الكاتب الصحفي في صحيفة «قرار» المقربة من رئيس الوزراء الأسبق، أحمد داوود أوغلو، الذي انشق هو الآخر بصحبة باباجان عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، النظر إلى ذلك قائلًا: «هنالك اختبار صعب؛ لأن السر يكمن في مقابلة الناس. ولهذا، عليكم إقناع الشعب بأنكم تقولون (أشياء جديدة). لقد كنتم ـ  في وقت ما ـ من أقطاب حزب العدالة والتنمية، هنالك مسؤوليات تشاركتموها سويًا. وانطلاقًا من ذلك؛ يحب شرح أسباب الاختلاف التي أدت إلى الانشقاق عن الحزب».

 

«الدواء» علماني هذه المرة

وأشارت أوزليم أكارسو تشيليك، الكاتبة في صحيفة «غزته دوفار»، وهي إحدى الصحف الليبرالية المعارضة لأردوغان، في مقالة لها بعنوان «هل سياتي دوائي وعلاجي؟!»، حيث تحمل عنوانًا ساخرًا من الاختصار الخاص بحزب باباجان «DEVA»، الذي يقابل في نطقه بالعربية كلمة «الدواء أو العلاج»، إلى خطاب باباجان الأخير قائلة: «لقد لاقى خطاب علي باباجان استحسانًا كبيرًا عندما ذكر اسم مصطفى كمال أتاتورك، كذلك عندما أعطى ضمانات حول الحالة الاقتصادية بقوله (إن الحصول على المال أمر سهل. الكثير من المال يوجد في العالم، وتركيا لديها الكثير من الأموال). لقد استخدم باباجان طوال خطابه لغة علمانية بعيدة عن الخطاب الإسلامي المعتاد، وقد انعكس ذلك أثناء عرضه لبرنامج الحزب».

أما سيبل هورتاش، الكاتبة بصحيفة «أرتي جرتشك» التركية ذات التوجهات اليسارية، ذكرت في مقالة لها بعنوان «باباجان تجاهل الأكراد»، قائلة: «لقد لاقى السياسيان اللذان انشقا عن حزب العدالة والتنمية، أحمد داود أوغلو وعلي باباجان، انتقادات حادة لاكتفائهم بذكر المشكلة الكردية فقط كتابيًا في برامجهم الحزبية، في حين يبدو أنهم قد نسوها حينما صعدوا إلى المنابر والمنصات. لقد كان لافتًا أن لا داود أوغلو ولا باباجان كانا قادرين على حمل القضية الكردية من إطار برامجهم الحزبية الكتابية إلى حديثهم عنها علنًا في اللقاءات والمنابر الجماهيرية».

 

الهروب من ثنائية «العدالة والتنمية» و«الشعب»

إن أكثر شيء مجهول للجميع بشأن باباجان يكمن ـ  بلا شك ـ  في ما إذا كان حزبه الجديد سيشكل هو الآخر حلقة تابعة لأردوغان في مختلف القضايا الشائكة، تمامًا مثل حزب الشعب الجمهوري الذي يترأسه كمال كليتشدار أوغلو، إلى جانب أيضًا السياسي الآخر التابع له أحمد داوود أوغلو، أم لا. إننا لم نشهد أبدًا «حزب الشعب الجمهوري» ولا حتى «حزب المستقبل» الذي أنشأه حديثًا داوود أوغلو يتخذان أي خطوات أو تحركات من شأنها هز وزعزعة كرسي العثمانلي أردوغان على رأس السلطة التركية، هذا بالإضافة إلى عدم قدرتهم على إيجاد حلول جذرية لمشاكل ومعضلات تركيا المزمنة منذ عقود طويلة.

 

ضرورة البحث عن منصة إعلامية جديدة

هناك مشكلة أخرى أمام باباجان، بدأ يواجهها في الغالب تلك الأسماء التي غادرت حزب العدالة والتنمية، وهي عدم وجود منصات إعلامية يمكنه استخدامها والظهور من خلالها. وهنا نؤكد أن باباجان، الذي يستطيع الظهور فقط أمام الشعب من خلال وسائل الاتصال والمدونات الصغيرة التي تبث محتواها عبر الإنترنت، لن يكون ـ بهذه الطريقة ـ لديه القدرة على التواصل الفعلي مع أكثر من نصف المجتمع التركي؛ فجزء كبير من الشعب التركي يشاهد القنوات التلفزيونية الخاضعة لسيطرة أردوغان، ولا يعرف كيف يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي، وتلك هي أكبر ميزة لأردوغان.

ونتيجة لذلك كله؛ يجب أن يصل باباجان وفريقه إلى الكتل الجماهيرية التي لا تستطيع استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي من خلال الذهاب إلى الميادين والساحات. وبغية تنفيذ ذلك، ينبغي تخصيص ميزانية كبيرة واختيار كوادر مثالية قادرة على مخاطبة الجماهير والحصول على دعم شعبي كبير منهم. وسرعان ما سيتضح أمام الجميع ما إذا كانت هذه الكوادر مثالية أم لا، وما إذا كانوا سيصمدون في وجه حملات أردوغان التشويهية ضدهم من عدمه. وكانت الخطوة الأولى بالفعل لأردوغان وفريقه ـ  في هذا الصدد ـ  هي نشر شائعات حول وجود خلاف وراء الكواليس بين باباجان وعبد الله غول. ولا حاجة لنا هنا إلى التأكيد بأن سياسات الضغط والابتزاز والترهيب والتخويف ستظل في حالة ازدياد تدريجي ومستمر خلال الأيام المقبلة.

إن مستقبل باباجان السياسي في تركيا لا يزال يبدو أمامنا بمثابة لغز كبير مكتمل الأركان في ظل إغلاق أردوغان لكافة المنافذ والمتنفسات أمام أرباب السياسة في الداخل التركي. فهل سينضم إلى باباجان ـ  كما قالت كثير من الادعادات ـ العديد من النواب والوزراء والأسماء البارزة في حزب العدالة والتنمية؟ هذا السؤال تتوقف إجابته بنسبة كبيرة على أداء باباجان السياسي ومدى نجاحه.

 

هل ننتظر داوود أوغلو آخر؟

وبكل بصراحة؛ نؤكد أن مَهَمَّة باباجان لن تكون سهلة أبدًا إذا كان أداؤه وخطاباته في الساحات والميادين يماثل ذاك الذي ظهر عليه خلال مؤتمر تقديم حزبه إلى الرأي العام التركي. لقد دخل باباجان إلى الساحة السياسية التركية بوصفه داوود أوغلو، آخر أمام أردوغان؛ ولا شك أنه سيجني أصواتًا من معارضي أردوغان مثل «حزب الشعب الجمهوري» و«حزب الخير» بشكل أكبر من حزب العدالة والتنمية. لذلك كله؛ فإن أول ما يجب على باباجان فعله حقًا هو الوصول إلى كتلة تصويتية بنسبة 30 % يعادل بها القاعدة التصويتية الأساسية (معدل التصويت) لحزب العدالة والتنمية.

إن جزءاً كبيراً من هذه القاعدة التصويتية يصوت لـ«حزب العدالة التنمية»، لأنه ـ  حسب رأيه - لا يرى أن هناك بديلًا له على الرغم من معرفته بمدى فساد أردوغان ونظامه، وإدارتهم السيئة لملف الاقتصاد، وكذلك ظلمهم واضطهادهم لكل من يجرؤ على معارضتهم. كما أن جانبًا كبيرًا من نجاح الحزب في تشكيل تلك القاعدة وتحقيق مكاسب في ذلك يرجع ـ  دون أدنى تردد - إلى وجوده بشكل تنظيمي في عديد القرى والأرياف التركية، وقدرته على الوصول إلى كل منزل بهدف الحصول على الأصوات من خلال لغة لا تخلو من التصنع والخداع للبسطاء من الشعب التركي.

 

لن يكون من الصعب إسقاط أردوغان

وفي الختام؛ دعونا نشير إلى أن باباجان يظل الاسم الأكثر إثارة في المشهد السياسي التركي خلال السنوات الأخيرة؛ فقد كان منذ فترة قريبة في السلطة حينما اشتدت ديكتاتورية وظلم واضطهاد أردوغان، وكان موجودًا بجانبه مباشرةً. لذا؛ فهو يحتاج في البداية إلى شرح وتفسير ذلك إلى الرأي العام التركي بشكل جيد للغاية، أو بمعنى أدق، أن يتخلص من عباءة ذلك الذنب بشكل تام. وهنا ينبغي التوضيح أن ذلك لن يتأتى له إلا بشرح وتوضيح جميع سياسات أردوغان التي دفعت بالبلاد نحو حافة الهاوية إلي الشعب. أما إذا اكتفي بالتلويح بالكلام فقط دون الشرح والتوضيح لأي شيء، شأنه في ذلك شأن أحمد داوود أوغلو، فإنه بذلك سوف يحجز مكانًا له - خلال وقت قصير جدًا - بين حقراء الساسة في مزبلة السياسة التركية.

ولكن على الرغم من كل شيء، فإن باباجان يظل واحدًا من الأسماء النادرة الأقل تلوثًا التي تظل ذات سمعة حسنة ـ  إلى حد ما ـ  بين السياسيين الأتراك. وباستخدام هذه الميزة؛ يمكنه أن يكشف للمجتمع التركي ـ  خلال وقت قصير جدًا ـ  أن أردوغان ما هو إلا مجرد بطل من ورق، إذا ما صنع لنفسه شخصية قوية وخلق حالة من المواءمة والتوافق مع مجتمعه المستاء. وفي حالة حدوث مثل هذا السيناريو؛ فلن يكون من الصعب إسقاط أردوغان، ذاك المتعثر داخليًا وخارجيًا، والإطاحة به.

شاركنا بتعليقك

تقع المسؤولية الأدبية والقانونية للتعليقات والمساهمات المنشورة على الموقع، على صاحبها، ولا تعبر بأى شكل من الأشكال عن رأى إدارة الموقع