10 سيناريوهات أمام مصر والعرب لكبح أردوغان

أردوغان والسيسي

أردوغان والسيسي

مما لا شك فيه أن واحداً من أهم جوانب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، هي قدرته الفائقة على تحديد نقاط الضعف في العلاقات الوطنية والدولية، وكذلك كشف الأخطاء التي اِرْتُكِبَت في الماضي بشكل جيد للغاية واستغلالها ضد منافسيه.

فعلى سبيل المثال؛ ربما كان حزب الشعب الجمهوري، أكبر مجموعة معارضة في البلاد، أحد أهم العوامل التي ساعدت أردوغان على إنشاء نظامه الديكتاتوري. فقد قدم الحزب الدعم له في العديد من الموضوعات التي ترتبط عن كثب بمستقبل تركيا مثل القضية الكردية، والأزمة السورية، والأعمال الاستفزازية في شرق البحر الأبيض المتوسط، والحرب في ليبيا. أما في القضايا ذات الخلاف، فهو يعارض أردوغان بالطريقة التي يريدها، إذ إنهم يكتفون بالدخول في صراعات شفهية معه. ومع ذلك، كان من الأفضل لحزب الشعب الجمهوري أن يدرك جيداً أن الصراع الشفوي مع أردوغان، الذي يسيطر على جميع وسائل الإعلام، لن ينجح.

 

أردوغان دفع البلاد إلى حافة الهاوية

إلى جانب ذلك؛ لم يستطع الحزب أن يكشف للشعب التركي كيف جلب أردوغان البلاد إلى حافة الهاوية. لم يفضح لهم أيضاً فساده، وعلاقات عائلته القذرة، وقربه من المنظمات الإرهابية. فلربما لعب تاريخ حزب الشعب الجمهوري دوراً مهماً في ذلك. إذ إنه كلما كان يرفع الحزب صوته بالحديث والكلام في فترة من الفترات، كان توضع أمامه على الطاولة أخطاؤه التي ارتكبها في الماضي. وبدلاً من قبول الأخطاء التي اِرْتُكِبَت في الماضي، رأينا حزب الشعب الجمهوري ـ على النقيض من ذلك ـ يفقد قوته ونفوذه في مهاجمة أردوغان بفعل ذلك الماضي السيئ.

 

استراتيجية أردوغان الاستغلالية

يتبع أردوغان أيضاً نفس الاستراتيجية في الخارج حيث يدرس جيداً نقاط الضعف في الدول الغربية. فعلى سبيل المثال؛ دخل ليبيا مستغلاً المنافسة والتصارع بين دول الاتحاد الأوروبي بشكل جيد للغاية. علاوة على ذلك؛ فقد استخدم استراتيجية مماثلة في سوريا مستفيداً من حالة الصدام بين قوتين عظميين، مثل الولايات المتحدة وروسيا، في الملف السوري.

لم يقف حفيد العثمانيين عند هذا الحد، بل سعى كذلك إلى امتلاك الكثير من النفوذ في السودان والصومال وقطر متخذاً من الخلاف والتنافس بين الدول العربية مطية لتحقيق ذلك. لكن أفضل طريقة لمحاربة أردوغان تكمن في استخدام نفس الأساليب التي يتبعها ضده. فما يجعله قوياً ليس أنه قوي، بل لأن خصومه ضعفاء، أو أنهم يقاتلون بعضهم البعض.

 

سيناريوهات كبح جماح أردوغان

مع ذلك؛ فليس من الصدق القول بأن أردوغان يمكن إجباره على الانسحاب من المشهد السياسي خلال وقت قصير حتى في حالة إذا ما كانت هنالك استراتيجية جادة بشأنه. ولكن الآن دعونا نناقش بعض الأساليب التي يمكن إتباعها لكبح جماح أردوغان

أولاً؛ يستمد أردوغان قوته من الدعم الشعبي المتجذر، حيث يمكنه فعل ذلك من خلال وسائل الإعلام التي يسيطر عليها برمتها. ولا يستخدم عدد كبير من أولئك الذين يصوتون لأردوغان وسائل التواصل الاجتماعي أو الإنترنت، ولكنهم يشاهدون فقط التلفزيون الذي تضع الحكومة أيديها عليه. فلا قنوات تلفزيونية معارضة تبث في تركيا. فقط حزب الشعب الجمهوري لديه قناة تلفزيونية ولكن لا أحد يشاهدها.

لذلك فإن أول عمل يجب القيام به هو إنشاء قنوات تلفزيونية ناطقة باللغة التركية تبث محتوى مناوئًا لتركيا وسياساتها تحت قيادة أردوغان. فبينما توجد العديد من القنوات التلفزيونية التي تبث من تركيا إلى العالم العربي ويتابعها الكثيرون عبر الأقمار الصناعية، يشاهد الأتراك فقط قنوات تلفزيونية ترضخ تحت سيطرة أردوغان وحاشيته. لذلك؛ فإن الإجراء الأول والأهم الذي يجب اتخاذه هو فتح قنوات تلفزيونية ناطقة بالتركية لمخاطبة الشعب التركي.

ثانياً؛ توجد طبقة كبيرة من المتعلمين والمثقفين الأتراك الذين يعيشون في الخارج أو يضطرون للهروب إلى الخارج؛ وجزء كبير منهم خصوم لأردوغان ومعارضون له. يمكن الاستفادة من تلك الكتل بوضعهم في شكل وقالب تنظيمي ضد أردوغان وتنفيذ مشاريع مناهضة له من خلالهم.

ثالثاً؛ يستخدم أردوغان القضية الكردية كورقة يمكنه من خلالها تخويف وإرهاب الشعب التركي في الداخل وكذلك ممارسة الضغط على الجيران والعبث كما يحلو له داخل حدود الغير بحجة مكافحة الإرهابيين. في الواقع، يتم توظيف الضغط والظلم تجاه الأكراد لهدف توجيه رسائل إلى فصائل المعارضة الأخرى؛ وكأن أردوغان يقول لمعارضيه إنه يمكنه سحقهم أيضاً مثلما يسحق الأكراد ويمارس الظلم ضدهم. يمكن الحديث وإثارة الضجيج حول اضطهاد أردوغان للأكراد والظلم وعدم القانونية وانتهاكات القانون الدولي بحق الجماعات الكردية في المنظمات الدولية. كما يمكن كذلك المساعدة في تنظيم الجماعات الكردية ضد أردوغان.

رابعاً؛ أردوغان شخصية لا تحظى بشعبية في الساحة الدولية، فلا يريد قادة الدول الغربية الديمقراطية بشكل خاص أن يظهروا مع أردوغان في نفس الإطار. حتى دونالد ترمب، الذي ينقذه في كل مرة من عقوبات كبيرة في الولايات المتحدة، وكذلك الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، الذي يغض الطرف عن بقائه في الساحة السورية، يكرهونه أيضاً. ومع ذلك، فإن أحد أهم أسباب قوة أردوغان في الساحة الدولية هو العلاقات الخاصة والسرية التي أقامها مع الزعيمين. لكن مصر تتمتع كذلك بعلاقات تاريخية وقوية مع البلدين، ويمكنها تطوير استراتيجيات تضمن من خلالها انفصال قادة تلك الدول عن أردوغان. إلى جانب ذلك؛ الرأي العام في كلا البلدين رافض لأردوغان وسياساته، كما هو الحال في الدول الغربية.

خامساً؛ الدول التي يريد أردوغان احتلالها والسيطرة عليها هي أراض عربية. لذا يجب فضح ذلك بحجج قوية تكشف نوايا تركيا في احتلال الأراضي العربية دون الانجراف نحو السياسات العنصرية. إذ يتم ارتكاب خطأ فادح في الدول العربية من خلال الحديث باستمرار عن الإمبراطورية العثمانية. فليس لأردوغان حلم عثماني ولا يهتم في الأساس بالسلاطين العثمانيين. ومع ذلك، يجري توجيه إهانات شديدة ضد الإمبراطورية العثمانية في العالم العربي، وهذا بدوره يخلق رد فعل كبير بين الشعب التركي. يجب التخلي عن ذلك المسلك الآن. بالإضافة إلى ذلك، يجب طرح الفرضية القائلة بأن أردوغان مؤيد للإخوان المسلمين جانباً. فبالنسبة لأردوغان؛ تعد كل الطرق والوسائل مباحة في سبيل تحقيق الهدف. وتعاون أردوغان الحالي مع الإخوان المسلمين لا يعني أنه يحب هذا التنظيم. على العكس من ذلك، لا يحب كلا الطرفين بعضهما البعض على الإطلاق. ومع ذلك، فإن الظروف التي تشكلت جمعتهم حول نفس المحور وذات المصالح المشتركة

سادساً؛ يبدو أن تركيا تبذل جهوداً كبيرة مؤخراً بهدف خلق حالة من الفرقة والاختلاف بين أعضاء الجبهة العربية المناوئة لها. بطبيعة الحال، قد تكون هناك اختلافات في المصالح بين البلدان الموجودة في تلك الجبهة. لذلك، يحاول أردوغان جعل سياسات تلك الدول معطلة، تماماً مثل أوروبا، من خلال استغلال هذه النقاط واتباع استراتيجية بث الخلافات وسياسة فرق ـ تسد. لهذا كله، تحتاج هذه البلدان إلى إدراك استراتيجية أردوغان هذه وإيجاد حلول لها

سابعاً؛ خلال فترة حكم معمر القذافي، كان هناك أكثر من مليون مصري يعملون في ليبيا. وعلى الرغم من أن جزءاً كبيراً منهم عاد إلى البلاد، إلا أنهم يمكنهم أن يشكلوا لوبياً قوياً ضد تركيا من خلال الروابط التي تجمعهم بمن ظلوا هناك أو حتى من عاد معهم من زملائهم. ومع ذلك، يجب ألا تكون اللغة المستخدمة في أي حال موجهة ضد الشعب التركي، بل يجب أن تستهدف أردوغان مباشرة.

ثامناً؛ اللغة الوحيدة التي يفهمها أردوغان هي لغة القوة؛ فهو يضع الحلول الدبلوماسية على الطاولة فقط عندما يكون موقفه ضعيفاً. قد يضطر أردوغان إلى السلام في مجابهة أي استعراض مصري للقوة حيث تعتبر مصر ليبيا دولة حيوية بالنسبة لأمنها القومي. وحينها سيكون من الصعب جداً على أردوغان الذي يجلس على طاولة السلام أن يبقى في ليبيا. فتركيا ليس لديها أية قوة جوية في ليبيا سوى الطائرة المسيرة بدون طيار «طائرات الدرون». ومع ذلك، فإنه حالة نشر طائرات حربية في قاعدتي «الوطية» و«مصراتة»، فإن ذلك سيعزز قوتها. لذا تحتاج مصر ودول أخرى إلى وضع وتطوير استراتيجيات لمنع حدوث ذلك. والقوى التي ستقف حائلاً دون ذلك هي الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا.

تاسعاً؛ أردوغان ليس اسماً محبوباً في أي مؤسسة سواء الجيش أو الشرطة أو البيروقراطية أوالقضاء إلخ. وكبار المسؤولين يدينون بالولاء لأردوغان فقط بسبب الخوف والمصالح المشتركة. لذا فإن أردوغان، الذي يدرك هذا الوضع جيداً، يسعى إلى الحصول على المزيد والمزيد من الحماية يوماً بعد يوم .

عاشراً؛ يجب فضح تحالفات أردوغان وعلاقاته التجارية مع العناصر الإرهابية مثل القاعدة وداعش على الساحة الدولية مع تزويد ذلك بالأدلة الدامغة. لقد أدركت روسيا ذلك في وقت سابق لكنها فشلت في الحصول على الدعم الدولي اللازم بسبب وقوف الولايات المتحدة إلى جانب تركيا. علاوة على ذلك؛ توجد بعض العلاقات القذرة التي ينخرط فيها أردوغان وعائلته منظورة الآن لدى القضاء الأميركي. وينبغي فضح هذه العلاقات ونقلها إلى المؤسسات الدولية الأخرى.

شاركنا بتعليقك

تقع المسؤولية الأدبية والقانونية للتعليقات والمساهمات المنشورة على الموقع، على صاحبها، ولا تعبر بأى شكل من الأشكال عن رأى إدارة الموقع