بمشاركة 6 دول.. شركات تركية تروج لصناعاتها الدفاعية في أنقرة
العلاقات التركية الإثيوبية... تتوسع مع الأزمات ضد العرب

آبي أحمد وأردوغان
دراسة: د.أيمن سمير
لفتت الاتفاقيات التي وقعها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، خلال لقائهما الأخير في شهر أغسطس 2021، والتوقيع على اتفاقيات «دفاعية ومائية»، واستعداد تركيا لدعم كامل وغير مشروط لإثيوبيا في كافة الملفات والقضايا، أيضاً كال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، المديح للرئيس أردوغان وتركيا عقب عودته إلى بلاده، وقال «عدنا إلى الوطن بعد قضاء وقت ثمين مع فخامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.. إثيوبيا لن تنسى أبداً التعاون في الفترة الحرجة الذي قدمه لنا شعب وحكومة تركيا».
لفتت هذه الكلمات والمواقف والاتفاقيات إلى مدى التعاون الإثيوبي التركي والتحالف الوثيق الذي يجمع أنقرة وأديس أبابا، والذي نتج عنه أن أكثر من «ثلث» الاستمارات التركية في القارة الإفريقية تقام على الأراضي الإثيوبية، كما أن أثيوبيا وتركيا تجمعهما اتفاقية دفاع مشترك منذ 2013، وتستورد إثيوبيا السلاح ومنظومات الدفاع الجوي من تركيا التي ترى في السلاح والتدريبات العسكرية بجانب الوسائل الناعمة مثل المسلسلات والمساعدات الإنسانية طريقها لاختراق ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان في إفريقيا.
وهناك سلسلة من العوامل قادت إلى مزيد من التعاون بين إثيوبيا وتركيا، كان في مقدمتها ثورة 30 يونيو 2013 في مصر ، والتي أزاحت - حلفاء تركيا - الإخوان من سدة الحكم في مصر ، كما أن إسقاط حكم البشير في السودان في ديسمبر 2019 أفشل الخطة التركية بالسيطرة على جزيرة سواكن السودانية أمام الشواطئ السعودية، وهو ما دفع أنقرة وأديس أبابا نحو مزيد من التعاون الاستراتيجي، حيث دخلت العلاقات بين البلدين مرحلة جديدة تتعاون فيها تركيا مع أثيوبيا في تأمين سد النهضة نكاية في مصر ، كما أن تركيا ترى في وجودها في إثيوبيا بديلاً لفشل مشروعها في سواكن السودانية، ويخدم مصالحها في القرن الأفريقي والبحر الأحمر ومدخل باب المندب وخليج عدن، كما تعتبر تركيا أن فرصها زادت في الآونة الأخيرة لتكسب أوراقاً في الساحة الإثيوبية أكثر من الدولة العربية الأخرى هناك كالإمارات والسعودية، لأن الاستثمارات التركية في إثيوبيا الآن باتت ثاني أكبر استثمارات بعد الاستثمارات الصينية. وحسب هيئة الاستثمار الإثيوبية، فإن تركيا تعتبر ثاني أكبر مستثمر في إثيوبيا، برأس مال استثماري يبلغ 2.5 مليار دولار (17.43 مليار ليرة تركية)، وفرص عمل لحوالي 30 ألف مواطن أثيوبي، وتتطلع تركيا إلى زيادة استثماراتها لتصل إلى 10 مليارات دولار بنسبة زيادة تبلغ 300 % ، فما هي أبعاد العلاقة التركية الإثيوبية؟ وكيف تؤثر على المصالح المصرية والعربية في إثيوبيا؟ وما هي السيناريوهات التي تنتظر العلاقات التركية الإثيوبية في ظل حديث عن تباين في المصالح ببعض المناطق في القارة الإفريقية؟ وماذا يمكن للدول العربية أن تقوم به من اجل الحفاظ على مصالحها في تلك المنطقة الحيوية للأمن القومي العربي؟
بداية العلاقات
أفتتحت تركيا أول سفارة لها جنوب الصحراء في أديس أبابا عام 1926، لكن هناك من يقول إن العلاقة بين تركيا وإثيوبيا أقدم من ذلك بكثير وتعود لعام 1896 حينما كانت هناك علاقات بين الإمبراطورية العثمانية والامبراطورية الحبشية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني والإمبراطور منليك الثاني، وإذا كان عام 2013 شهد توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين، فإن عام 2016 شهد نقلة نوعية في العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإثيوبيا، حيث تم توقيع 5 اتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم في قطاعي المعادن والهيدروكربونات، ومذكرات تفاهم بين المؤسسات التجارية المتوسطة والصغيرة، ومذكرة تفاهم حول التعاون في مجال الطاقة الكهربائية، كما أن قيام تركيا بدور كبير في مساعدة إثيوبيا تجاه كارثة الجفاف التي عانت منها منطقة عفر عام 2014 ساهم في التقارب الكبير بين الدولتين، وعززت الحاجة للدعم المتبادل بين البلدين في صراعهما الجيوسياسي مع مصر والسعودية والإمارات، من التقارب وخلق مساحات كبيرة للعمل المشترك ، فالضغط التركي في ليبيا من خلال المرتزقة كان يتوازى مع تعنت إثيوبي في ملف سد النهضة. وتكشف التفاصيل أن تركيا ومن خلفها قطر قدما كل الدعم الممكن لإثيوبيا حتى تتحدى مصر والسودان في ملف المياه.
مكاسب إثيوبية
أولًا: الدعم السياسي، ترى إثيوبيا أن هناك دعمًا كاملًا من تركيا لأجندتها الداخلية والخارجية في القارة الإفريقية، وهو ما عبرت عنه تركيا بالدعم الكامل وغير المشروط لخطوات الحكومة الإثيوبية ضد سكان تيجراي وغيرها من الأقاليم، الذين يرفضون سياسة حكومة آبي أحمد. ولم تنضم تركيا لحملة الإدانة الدولية ضد جرائم الحرب وقتل المدنيين التي قام بها الجيش الإثيوبي ضد سكان تيجراي وغيرهم من الأقليات، كما أن حسابات إثيوبيا تقول بأن تركيا تنحاز لأجندة أديس أبابا فيما يتعلق بالخلاف حول الحدود السودانية الإثيوبية. وهو الأمر الذي دفع إثيوبيا للمطالبة بوساطة تركية بينها وبين السودان حول ملف الحدود. وخير شاهد على هذه الحسابات الإثيوبية أن ما يسمى بمنتدى الصداقة التركي الإثيوبي يقوم بدور كبير في دعم الموقف الإثيوبي ضد مصر والسودان، من خلال إنتاج المواد الدعائية وتنظيم الفاعليات السياسية والفنية المتخصصة من أجل دعم وجة النظر الإثيوبية في ملف سد النهضة.
ثانياً: كل من تركيا وأثيوبيا (دولتا منابع للأنهار الدولية) المشتركة، وكما تسطو تركيا على حصص سوريا والعراق من المياه، فإن السياسة الإثيوبية تريد أن تنتهج نفس السياسة التركية. وهو الأمر الواضح في التعنت الإثيوبي في المفاوضات والوصول للملء الثاني دون اتفاق عادل ومنصف وملزم مع دولتي المصب، ولهذا ترى أثيوبيا أن سياسة الرئيس أردوغان تتناغم مع المصالح الإثيوبية فيما يتعلق بنهر النيل ونزاعها مع دولتي المصب. ومنذ أيام وزير الخارجية التركي السابق أحمد داود أوغلو، عرضت تركيا على الحكومة الإثيوبية خبراتها التي اكتسبتها بعد بناء سد أتاتورك على نهر الفرات. وهناك تقارير تقول إن المفاوض الإثيوبي كان يأخذ في كثير من الأحيان بوجهة نظر تركيا في مفاوضات المياه. وأرجعت بعض التقارير الصحفية أن عدم مشاركة الوفد الإثيوبي في التوقيع على وثيقة واشنطن في فبراير 2020 حول سد النهضة، جاء بعد وصول وفود من قطر وتركيا تنصح إثيوبيا بعدم التوجه لواشنطن حتى لا تخضع لضغط من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ذلك الوقت.
ثالثاً: تعتقد أثيوبيا أن الاتفاقيات «المائية والأمنية» الأخيرة التي وقعها آبي أحمد مع أردوغان في شهر أغسطس 2021 تساعدها في توصيل رسالة سياسية لمصر والسودان بأن أثيوبيا ليست لقمة سائغة، وأن لديها من الحلفاء الأقوياء ما يساعدها في الوقوف في وجه مصر والسودان، وتنظر إثيوبيا للدعم العسكري التركي بأنه استمرار للنجاح العسكري التركي في دعم حلفاء أنقرة في ليبيا وناجورنو كارباخ المختلف عليه بين أذربيجان وأرمينيا. وترى إثيوبيا في منظومات الدفاع الجوي التي استوردتها من تركيا خير وسيلة للدفاع عن السد الأثيوبي، خاصة مع وجود معلومات لو تؤكدها جهات مستقلة بوجود عناصر من شركة صادات الأمنية التركية لتشغيل المنظومات الدفاعية بالقرب من سد النهضة.
رابعاً: تساعد العلاقات الإثيوبية مع تركيا الحكومة الإثيوبية بالمجادلة أنها غير معزولة عالمياً على خلفية الأزمات الإنسانية والحروب الداخلية، كما أن الإعلام الإثيوبي يصور العلاقة مع تركيا باعتبارها علاقة هامة جداً لأنها مع دولة أوروبية في حلف الناتو. وذلك رداً على موجة السخط العالمي على سلوك أديس أبابا، خاصة من الكونجرس الأمريكي الذي أدان أكثر من مرة سلوك الحكومة الإثيوبية القائم على العنف، وكذلك إدانة المنظمات الدولية وفي مقدمتها منظمة العفو الدولية لكل السلوكيات الحكومية الإثيوبية ضد المكونات والعرقيات المناوئة لرئيس الحكومة آبي أحمد، وفي ظل حياد أو تحفظ الدول الإفريقية على خطوات أثيوبيا في الداخل ومع دول الجوار ، والإدانة الأوربية والأمريكية لتلك السلوكيات ترى حكومة آبي أحمد أن الدعم التركي مع الصمت الروسي والصيني يوازن الانتقادات الغربية لسلوك الحكومة الإثيوبية.
خامساً: تشكل اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعها الطرفان في عام 2013، وصادق عليها البرلمان في البلدين عام 2015 محور ارتكاز في الخطط الإثيوبية لتعزيز الصناعات الدفاعية المشتركة، وكذلك الدفاع عن المناطق الحيوية المختلفة بما فيها سد النهضة. ونصت الاتفاقية على تدعيم التعاون في مجال الصناعات الدفاعية، وأن تقدم تركيا دعمًا فنيًا ولوجستيًا لزيادة قدرات إثيوبيا العسكرية، ونقل التكنولوجيا الدفاعية، وتحديث الأسلحة العسكرية الإثيوبية، وإقامة تعاون متبادل بين شركات الصناعات الدفاعية في البلدين، وأن تحصل تركيا على الدعم الفني والعسكري واللوجستي من إثيوبيا، مقابل إمدادها بالتكنولوجيا الدفاعية، وفي البيان الختامي الذي أعلن البلدان فيه الاتفاقية قالت أنقرة وأديس أبابا إن تركيا سوف تنقل خبرتها في بناء السدود وتساعد في الدفاع عن السد ضد أي تهديد، بالإضافة إلى إبرام صفقات سلاح، ومنها توريد شحنة أسلحة إلى أديس أبابا بقيمة مليار دولار، والمشاركة في تدريب القوات الإثيوبية وقوات الشرطة والأمن، كما تعهدت تركيا في إطار تعاونها العسكري مع إثيوبيا بحماية إنشاءات السد بوساطة أجهزة رادارات تركية، تستخدم للإنذار المبكر، ومد إثيوبيا بنظام صواريخ تركية إسرائيلية مشتركة الصنع.
سادساً: تدعم تركيا سد النهضة مالياً بشكل غير مباشر ، فتركيا من خلال مشروع استثماري زراعي ضخم، لزراعة مليون ومائتي ألف فدان في منطقة قريبة من السد قدمت دعماً كبيراً مالياً واقتصادياً من خلال هذه الاستثمارات، كما قدمت تركيا دعماً للعملة الإثيوبية بالشراكة مع قطر، وهو ما عزز ثقة إثيوبيا باستكمال بناء السد حتى لو توقفت الجهات المانحة الأخرى عن التمويل، كما تنظر إثيوبيا بجدية تامة للإعلانات التركية التي تقول إن هدفها هو الوصول بالاستثمارات التركية في إثيوبيا إلى 10 مليارات دولار بزيادة تبلغ 300%.
سابعاً: تراهن إثيوبيا على تركيا في توصيل الكهرباء التي ينتجها سد النهضة لدول الجوار، حيث يعمل البلدان معاً في قطاع الطاقة مع شركة تركية تعمل في مجال تركيب خطوط نقل الكهرباء وتوريد المحولات، كما وقعت تركيا مع إثيوبيا اتفاقية تعاون لتوليد الطاقة الكهربائية من سد النهضة، وإيصالها إلى دول الجوار في يناير 2015، باعتبار تركيا دولة منبع، ولها خبرة واسعة في إنشاء السدود واستثمار الكهرباء المنتجة من خلالها.
المكاسب التركية
1- ترى تركيا في وجودها في أثيوبيا دعماً وإضافة مهمة لوجودها في منطقة القرن الإفريقي، وتمول تركيا مشروعات ضخمة في البنية التحتية مثل تمويل الطريق الذي يربط شمال إثيوبيا بجيبوتي، وهذا يوصل تركيا بالبحر الأحمر ومضيق باب المندب الذي تمر منه أكثر من 21 ألف قطعة بحرية سنوياً تمثل 7 % من حركة الملاحة البحرية العالمية، ونحو 60% من النفط العالمي، وهو ما يعزز من وجودها العسكري والاقتصادي في الصومال وجيبوتي معاً.
2- توجد لتركيا قاعدتها العسكرية الأكبر في أفريقيا على الأراضي الصومالية، وفي نفس الوقت توجد قوات إثيوبية في الصومال ضمن القوات الإفريقية. وتراهن تركيا على تقسيم المصالح بينها وبين إثيوبيا في الصومال، ففي مقابل سكوت تركيا على الاحتلال الإثيوبي لمناطق صومالية مثل الأوجادين، تصمت إثيوبيا على التوسع التركي في وسط الصومال وقيام الشركات التركية بالتنقيب عن النفط في الصومال والمياه الصومالية. وتقوم الحسابات التركية في هذا الأمر على أن إثيوبيا هي أكبر قوة في منطقة القرن الإفريقية وتحييد إثيوبيا أو ضمها للصف التركي ضروري من أجل الحفاظ على المصالح التركية الآنية والمستقبلية في المنطقة.
3- تتيح العلاقات التركية الرسمية مع الحكومة الإثيوبية فرصة كبيرة للمؤسسات التركية الاخرى لتمارس أدواراً تخدم أهداف أنقرة في كل القارة الإفريقية. وتعتمد تركيا على مجموعة من الأدوات والأذرع للعمل في إثيوبيا منها منظمة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) التي افتتحت مكتبها في أديس أبابا عام 2005، وتعمل هذه المنظمة بشكل رئيسي على الترويج للتعليم التركي كونه أكثر أدوات الاختراق الثقافي فاعلية من خلال المنح والبعثات التعليمية إلى الجامعات التركية، كما تعمل تيكا من خلال تقديم المساعدات الطبية للمستشفيات في إثيوبيا، والعمل على تطوير المناطق الإثيوبية المرتبطة بالتاريخ الإسلامي مثل منطقة نجاش، وإعادة ترميم مسجد النجاشي التاريخي في إقليم تيجراي شمالي إثيوبيا، وترميم القنصلية العثمانية في مدينة هرر شرق البلاد، كما تستغل الحكومة التركية مكتب وكالة الأناضول الذي تأسست عام 2014 لاختراق المجتمع الإثيوبي من خلال التخفي تحت المظلة الصحفية لجمع البيانات والمعلومات الاستخبارية عن الشعوب والأقاليم الإثيوبية حتى يسهل اختراقها.
4- يحقق الوجود التركي في إثيوبيا ورقة إضافية لمواجهة منافسي تركيا في المنطقة وأفريقيا، وفي مقدمتهم مصر والسعودية والإمارات وفرنسا، فتركيا ترى في وجودها في إثيوبيا بمثابة حاجز ومانع ضد مصر لممارسة نفوذها الطبيعي في منطقة تشكل الحديقة الخلفية للدولة المصرية، كما أن تفوق الاستثمارات التركية على استثمارات الإمارات والسعودية يعزز من تنافس أنقرة مع دول الخليج، ليس فقط في إثيوبيا بل في القارة الإفريقية كلها، كما أن وجود أنقرة بهذا الزخم الاقتصادي والعسكري يعطي رسالة للأفارقة بأن تركيا منافس قوي للقوى التقليدية في إفريقيا مثل فرنسا والصين وروسيا والولايات المتحدة، فتركيا تسعي للوصول بتجارتها مع القارة الأفريقية إلى 50 مليار دولار سنوياً، وهو ما يعادل ثلث حجم التجارة الخارجية التركية مع أوروبا.
5- ترى تركيا في علاقاتها مع إثيوبيا التي تستضيف الاتحاد الإفريقي فرصة كبيرة للدخول إلى الدول الإفريقية عبر بوابة الاتحاد الإفريقي، فكثيراً ما يتم دعوة تركيا لاجتماعات الاتحاد الإفريقي، ومن يراجع الاجتماعات الجانبية والثنائية على هامش اجتماعات الاتحاد الإفريقي قبل جائحة كورونا يتأكد له كم لعبت دعوة إثيوبيا المتكررة لتركيا لحضور اجتماعات الاتحاد الإفريقي كباب خلفي للدخول التركي إلى الدول الإفريقية.
6- تتمسك تركيا بالعلاقة مع إثيوبيا، وتسعى لتطويرها لأنها لا تريد أن تفقد حليفاً جديداً من المنطقة بعد خسارتها لجزيرة سواكن والنظام السوداني السابق بقيادة عمر البشير ، وترى أن تواجدها القوي في إثيوبيا يعوض جزئياً خسارتها للسودان.
7- إثيوبيا هي ثاني أكبر دولة في القارة الأفريقية، من حيث عدد السكان، ولهذا تمثل فرصة كبيرة جداً بالنسبة لتركيا لأنها سوق كبيرة واقتصاد نشط، لأن الاقتصاد الإثيوبي وصلت معدلات النمو فيه إلى 10 % في بعض الأوقات، وتسعى الشركات التركية لأن تتخذ من إثيوبيا مقراً لها لتوزيع منتجاتها في الدول الإفريقية الأخرى، ولهذا تمثل إثيوبيا بالنسبة إلى تركيا سوقاً اقتصادية كبيرة بفضل مواردها المتعددة، وتحرص تركيا على اختراقها بإشراكها في العديد من الاتفاقيات التي تخدم مصالح أنقرة، خاصة ما يتعلق بمجالات الجمارك والتجارة والطاقة.
8- تحقق السيطرة التركية على الاقتصاد الإثيوبي هدفاً سياسياً كبيراً لأنقرة، حيث باتت تركيا رقماً صعباً في «معادلة اتخاذ القرار الإثيوبي»، وخاصة في ملف سد النهضة، وأصبحت تركيا من بوابة الاقتصاد شريكاً استراتيجياً لإثيوبيا، تشاركها قضايا منطقة القرن الأفريقي بعد أن أصبحت تركيا المصدر الرئيسي للسلع التي يستهلكها الشعب الأثيوبي، وخاصة مع رفع الرسوم الجمركية على السلع والبضائع التركية في مجالات الغزل والنسيج والزراعة، والجلود، وتجهيز الأغذية والأدوية، إلى جانب قطاعات كالبناء والتشييد.
9- الوجود التركي القوي في إثيوبيا مع الوجود العسكري التركي في الصومال شرق إثيوبيا، وغرباً التعاون العسكري التركي مع النيجر يساهم كل ذلك في تطويق الدول العربية من الجنوب حيث الوجود التركي في النيجر يدعم قواعد تركيا في ليبيا ويقربها من حدود مصر والسودان، كما أن الوجود التركي في القرن الإفريقي وقرب باب المندب يجعل تركيا قريبة جداً من الحدود الجنوبية للجزيرة العربية واليمن التي بها حزب الإصلاح الإخواني الموالي لتركيا، وهو ما يمثل تهديداً مباشراً لأمن البحر الأحمر، بالإصافة إلى تهديد أمن السعودية والإمارات أو على الأقل استخدام تلك الورقة من جانب تركيا للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية عند أي مصالحة بين أنقرة من جانب وأبو ظبي والرياض من جانب آخر.
الاختلافات التركية الإثيوبية
رغم أن التعاون بين أنقرة وأديس أبابا تعاون استراتيجي، ويغطي غالبية المجالات الحيوية إلا أن هناك مساحات واسعة من الاختلاف وتنافس المصالح، ينبغي على مصر والدول العربية دراستها جيداً للتغلب على التحدي التركي.
1-رغم التعاون الكامل بين تركيا وأثيوبيا في مجالات كثيرة، إلا أن هناك أوساطاً أثيوبية قلقة من بعض الأنشطة التركية مثل تهريب السلاح للداخل الإثيوبي، وهو ما كشفة جهاز المخابرات والأمن الداخلي الإثيوبي الذي كشف خلال الفترة الأخيرة عن أكثر من شحنة من الأسلحة التركية كانت مخبأة وسط أجهزة إلكترونية من خلال حاويتين تم شحنهما من ميناء مرسين التركي إلى ميناء جيبوتي، حيث تم تسريبها إلى الأراضي الإثيوبية، بحسب البيان الصادر عن جهاز المخابرات الإثيوبي، وتم ضبط حوالي 501 صندوق سلاح، تحتوي على أكثر من 18 ألف مسدس تركي الصنع، تقدر قيمتها بأكثر من نصف مليار بر إثيوبي 31 مليون دولار أميركي، وهو ما يعني أن هناك أهدافاً متعارضة بين الحكومة التركية وحكومة آبي أحمد، أو أن الحكومة التركية تنسق مع أطراف أخرى أثيوبية ربما لتقديرات تقول إن الحكومة الإثيوبية الحالية هشة، ويمكن أن تنهار في أي وقت، وهو ما يوفر لتركيا مجالاً أوسع من المناورة من خلال العلاقة الحالية مع حكومة آبي أحمد، وفي نفس الوقت بناء علاقة مع الأطراف الفاعلة الأخرى التي يمكن أن تحل محل الحكومة الإثيوبية في المستقبل.
2- رغم التنسيق في المصالح الذي جرى خلال السنوات الماضية بين تركيا وإثيوبيا في الصومال، إلا أن توسع النفوذ التركي في الصومال لا يمكن أن يكون في صالح إثيوبيا على المدى الاستراتيجي، فالأهداف والطموحات الإثيوبية في الصومال تصطدم بالوجود والتوسع التركي هناك، ولهذا سيظل هناك حذر في التعاون بين الطرفين في الصومال على المدى الاستراتيجي والبعيد، فمصالح البلدين اليوم تتقاطع في بقاء الصومال ضعيفاً ومكاناً لتحقيق المصالح بين الطرفين، لكن أي محاولة لعودة الدولة المركزية الصومالية سيهدد المصالح الإثيوبية، ووقتها سوف تختلف الحسابات التركية الإثيوبية في الصومال بما قد يؤثر مستقبلاً على شكل وطبيعية العلاقة بين أنقرة وأديس أبابا، وما يؤكد إمكانية حدوث ذلك هو دعم إثيوبيا لحكومة إقليم أرض الصومال للحصول على تسهيلات في الموانئ، في حين أن تركيا تتحالف مع الحكومة المركزية الصومالية في صراعها مع أرض الصومال (صوماليلاند) الإقليم المنفصل من جانب واحد دون اعتراف دولي منذ 1991، ولهذا هما فعلياً يدعمان طرفين متصارعين في الصومال.
3- تعمل تركيا على كسب ورقة ضد إثيوبيا حتى تستفيد منها لو حدث أي خلاف بينهما في المستقبل، وهي ورقة القومية الصومالية داخل إثيوبيا، وكشف جهاز المخابرات الإثيوبية أكثر من مرة تهريب السلاح التركي إلى المنطقة الحدودية بين الصومال وإثيوبيا، حيث تستغل تركيا التشابك القبلي والصراع السياسي والحدودي والعرقي بين إثيوبيا والصومال لتعزيز الوجود التركي في تلك المنطقة الاستراتيجية، وتقوم الاستراتيجية التركية على مجموعة من الأدوات في تلك المنطقة، أبرزها دعم القومية الصومالية في إثيوبيا، أو إقليم الصومال الإثيوبي أو إقليم أوجادين ذي الأغلبية الصومالية، الذي احتلته إثيوبيا ثم أعلنت سيادتها عليه عام 1960، قبل أن تجتاح الحدود وتسيطر على مناطق أخرى خلال الحرب في الصومال بين عامي 2006 و2009.
4- تقدم تركيا نفسها باعتبارها دولة إسلامية تدعم المسلمين في كل دول العالم، ولهذا هناك شكوك لدى بعض الإثيوبيين (غير المسلمين والمسلمين غير المؤدلجين) بأن تركيا سوف تدعم الصومال في حال نشوب حرب بين الصومال وإثيوبيا، كما شككت بعض القيادات الأمنية الإثيوبية في نيات أردوغان في التعاون مع إثيوبيا، وقالت إن علاقة أردوغان بالجماعات الأصولية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأوربا وأفريقيا يجعل التعاون مع تركيا محفوفاً بالمخاطر، خاصة أن التحركات التركية بعيداً عن العاصمة أديس ابابا وعلى الأطراف لا تريح الكثير من الإثيوبيين.
5- يوجد تنافس إثيوبي تركي محموم للسيطرة على ميناء جيبوتي، ففي الوقت الذي تسعى فيه إثيوبيا للحصول على حصة في ميناء جيبوتي، ثاني أكبر موانئ القرن الأفريقي، وهو الميناء الذي تصل من خلاله معظم تجارة إثيوبيا مع العالم، وهو نفس الهدف الذي تسعى إليه تركيا، ومن خلال إحدى الشركات المقربة من الرئيس التركي تسعي شركة «البيرق التركية» التي تدير ميناء مقديشو في الصومال - إلى تولي إدارة ميناء جيبوتي الاستراتيجي في مدخل البحر الأحمر بعد توقيع اتفاق التعاون البحري بين تركيا والصومال، وهو ما يتيح لتركيا مراقبة الواردات والصادرات الإثيوبية، بل وإمكانية استغلاله كقاعدة بحرية عسكرية، توفر لأنقرة موطئ قدم جديدة عند مدخل البحر الأحمر.
السيناريوهات
السيناريو الأول: «تعظيم التعاون»
يفترض هذا السيناريو تواصل التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري بين تركيا وإثيوبيا، وزيادة الاستثمارات التركية في إثيوبيا، واستمرار بقاء آبي أحمد في السلطة لولاية جديدة على افتراض أنه سينجو من كل المشاكل المثارة هناك من مشاكل حدودية وعرقية واقتصادية. ونسبة هذا السيناريو وفق المعطيات الراهنة تصل إلى 40 %.
السيناريو الثاني: «عواصف داخلية»
يقوم على أن تغييرات داخلية قد تحدث في تركيا أو إثيوبيا قبل أو بعد الانتخابات التركية المقررة خلال عام 2023 أو حدوث تغييرات في هيكل السلطة الإثيوبية قد يؤدي إلى وقف وتيرة النمو في العلاقات البينية بين البلدين، ونسبة هذا السيناريو القائم على حدوث تغييرات داخلية في البلدين تؤدي لحدوث تغيرات كبيرة في التعاون بين البلدين تصل إلى 10 %.
السيناريو الثالث: «تصادم المصالح»
يقوم على أن الدعم التركي للقومية الصومالية في إثيوبيا، والتنافس على المصالح في الصومال وجيبوتي، مع وقوف تركيا المتوقع مع الصومال ضد أثيوبيا أو انكشاف الدعم التركي للمجموعات المتطرفة قد يؤدي لتحول التنافس إلى صراع، ونسبة هذا السيناريو 20 %.
السيناريو الرابع: «تراجع الدوافع»
يقوم على أن سرعة وتيرة التعاون بين تركيا وإثيوبيا جاءت على خلافية العداء والصراع مع مصر ، والخلافات التركية مع الإمارات والسعودية بسبب مشاكل أيدلوجية وجيوسياسية، وأنه حال نجاح التطبيع التركي مع مصر والسعودية والإمارات قد يتراجع الدافع التركي لدعم إثيوبيا. كما أن أي توصل لحلول تتعلق بسد النهضة بين إثيوبيا ودولتي المصب قد يقلل من شهية أديس أبابا للتعاون مع تركيا، ونسبة هذا السيناريو تصل إلى 30 %.
روشتة سياسية لمصر والسعودية والإمارات
رغم جولات المفاوضات الاستكشافية بين القاهرة وأنقرة، ورغم الكلمات الطيبة التي تصدر من تركيا تجاه الإمارات العربية المتحدة والسعودية، إلا أن المصالح التركية المتنامية مع إثيوبيا، ولقاء الرئيس التركي الأخير مع رئيس الوزراء الإثيوبي تؤكد أن تركيا لا تزال حتى كتابة هذه الدراسة تفضل مصالحها مع إثيوبيا على مصالحها مع الثلاثي المصري السعودي الإمارتي، أو على الأقل توظف علاقاتها مع إثيوبيا كورقة سياسية وأمنية ضد الدول الثلاث، وهذا يفرض على مصر والسعودية والإمارات القيام بسلسلة من التحركات وهي:
1- وضع التعاون التركي الإثيوبي، خاصة التعاون العسكري الذي يمكن أن يكون موجهاً نحو مصر على أجندة المحادثات الاستكشافية التي تجريها وزراه الخارجية المصرية من آن لآخر مع نظيرتها التركية، وضرورة أن تطلب مصر تفسيراً لاتفاقية «التعاون المائي الدفاعي» بين أنقرة وأديس أبابا التي وقعها الجانبان في شهر أغسطس 2020.
2- ضرورة وجود تنسيق عربي، خاصة بين مصر والامارات والسعودية في المواقف حول التعاون التركي الإثيوبي، لأن تركيا تستهدف مجموع المصالح العربية في إثيوبيا والقرن الإفريقي وليس المصالح المصرية المتعلقة بالمياه وسد النهضة فقط، وتحليل السلوك التركي في منطقة القرن الإفريقي، خاصة في الصومال وجيبوتي يقول إن تركيا ما زالت تعمل ضد الأهداف الإماراتية والسعودية في تلك المنطقة، ففي الصومال تنسق تركيا مع إثيوبيا بما يخدم أهدافها فقط وبما يتعارض مع المصالح الإماراتية السعودية هناك، وخير شاهد على ذلك هو التوتر الذي حدث في العلاقة بين الإمارات وجيبوتي واستفادت منه قطر حليفة تركيا، وتكرر هذا الأمر مع جيبوتي، حيث حصلت قطر على مزايا في موانئ جيبوتية كانت تحصل عليها في السابق شركات إماراتية.
3- البحث في التعامل مع قوى إقليمية في القرن الإفريقي توازن التعاون الإثيوبي التركي ضد المصالح المصرية والعربية، خاصة الدول التي لها خلافات مع إثيوبيا وتعلم نوايا تركيا وإثيوبيا في السيطرة والاستحواذ على المقدرات الإفريقية، فمعروف أن إثيوبيا لا تستهدف مصر والسودان فقط، لكنها تتنمر سياسياً على دول إفريقية أخرى مثل كينيا وجنوب السودان، كما أن هناك الكثير من الدول التي اكتشفت أن النوايا التركية في أفريقيا لا تقل إمبريالية عن القوى الغربية والاستعمارية.
4- حال عدم نجاح المصالحة العربية التركية لا بد من كشف الأجندة التركية والعثمانية في إثيوبيا، خاصة تلك البنود التي تتعلق بوحدة أثيوبيا والخلافات الإثيوبية مع الصومال ودعم تركيا للقومية الصومالية في إثيوبيا. وهذه ورقة لم تستغلها مصر والسعودية والإمارات طوال فترة الخلاف مع تركيا.
شاركنا بتعليقك
تقع المسؤولية الأدبية والقانونية للتعليقات والمساهمات المنشورة على الموقع، على صاحبها، ولا تعبر بأى شكل من الأشكال عن رأى إدارة الموقع