بمشاركة 6 دول.. شركات تركية تروج لصناعاتها الدفاعية في أنقرة
أتراك عند ضريح السيد البدوي

السيد البدوي 1
كتب:أسماء علاء الدين وخالد أبو هريرة
يلفها رداء أخضر اللون، وطرحة بيضاء تستر شعرها، تقف «فاطمة الزهراء» -مواطنة تركية (45 سنة)- أمام مقام السيد أحمد البدوي في مدينة طنطا المصرية، تنتابها نفس المشاعر من فرح، وكأنها المرة الأولى لها في زيارة الضريح الذي يؤمه كل عام، نحو 3 ملايين زائر، من بقاع شتى داخل مصر وخارجها..
ربما كانت حكاية فاطمة الزهراء عادية، لو أنها مثل آلاف غيرها من زوار البدوي، مجرد مريدة من مريدين لا حصر لعددهم، يأتون إلى الضريح طوال العام، أو في أوقات موالد السيد البدوي الشهيرة، لقراءة الفاتحة، والدعاء، وتقديم النذور، وذبح الأضحيات، أو حتى المشاركة في الذكر الجماعي الشهير للطرق الصوفية المتحلقة حول الجامع الأحمدي. ولكن فاطمة الزهراء تملك في الحقيقة حكاية مختلفة. فهي حين تزور السيد البدوي، لا تزور فيه فحسب شيخ الطريق، ولي الله، صاحب الكرامات، وإنما تزور أيضَا الجد الأعلى لها ولأسرتها المقيمة في تركيا. والذي جاءت لزيارته بشكل خاص من تركيا.. تنتسب فاطمة الزهراء، والملقبة بـ«البدوية»، إلى السيد أحمد البدوي، وتعتز عائلتها بتلك النسبة إلى حد عنايتهم بتوثيقها قبل سنوات في مصر، وحظر الزواج من خارج العائلة حرصًا على نقاء النسب الشريف.

منذ انفتاح وعيها، لقنت فاطمة الزهراء من الأعضاء الأكبر سنًا في الأسرة حكاية النسبة إلى السيد أحمد البدوي. وقد كشفت لـ (تركيا الآن) عن وثيقة تصديق على هذه النسبة، مختومة وموثقة من جامعة الأزهر في مصر، إلى جانب شجرة العائلة التي قالت عنها، كاشفة عن الطريق الذي يصل بينها وبين السيد البدوي.


في هذا التقرير، ينطلق (تركيا الآن) من حكاية فاطمة الزهراء، التركية لغة، المنتسبة عرقًا إلى أشراف العرب، للحديث عن مكانة السيد البدوي الكبيرة في تركيا، والتي ما زالت صامدة، رغم سنوات التحديث والعلمنة والتغريب..
ولد السيد أحمد البدوي في مدينة فاس المغربية في حدود سنة 596 هـ/1200، لأسرة شريفة تنتسب إلى جعفر بن علي الهادي، من أحفاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم. عرف أحمد البدوي منذ صغره بميله إلى الزهد والتصوف، وسافر إلى المشرق بغرض الحج ودراسة الشريعة والعلوم القرآنية. وبعد رحلات مثيرة بين الحجاز والعراق وغيرها، استقر به المقام في مصر سنة 640 هـ/1243، حيث أسس لنفسه طريقة صوفية خاصة به في مدينة طنطا (أو طنتدا كما نطقها العرب)، قادها حتى وفاته في المدينة نفسها سنة 675 هـ/1277، ودفنه في مكان الجامع الأحمدي، حيث مقامه الشهير الموجود إلى الآن. عن ذيوع صيت البدوي، ونسبة الكرامات والخوارق إليه.

يقول المؤرخ المصري الدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور في كتابه (السيد أحمد البدوي)، الذي نشر في القاهرة ضمن سلسلة أعلام العرب خلال ستينيات القرن الماضي: «يبدو لنا أن شهرة السيد أحمد البدوي لم تتسع إلا في أواخر أيام حياته، إن لم يكن بعد مماته، ولم يزدد نفوذ الطريقة الأحمدية في المجتمع المصري بشكل خطير إلا في عهد دولة المماليك الشراكسة بوجه خاص، أي في أواخر القرن الثامن للهجرة/أواخر القرن الرابع عشر الميلادي». ولما انتهى حكم الشراكسة على يد السلطان العثماني سليم الأول في العام 1517، وتحولت مصر إلى ولاية عثمانية تدين بالولاء لإسطنبول، احتفظ السيد البدوي بمكانه بين أقطاب التصوف في مصر، بل وانتقل الاعتقاد فيه حتى إلى قلب السلطنة العثمانية نفسها في تركيا الحالية، خصوصًا وأن العثمانيين الأتراك كانوا متصوفة في عقيدتهم، يعتبرون اتباع طريقة من الطرق الصوفية، شرطًا لاكتمال الديانة. «البدوية» في تركيا وفقًا للموقع الإلكتروني history of istanbul، فإن تكية أبو رضا Eburrıza Tekke، والتي تأسست في إسطنبول بداية القرن الثامن عشر، كانت هي نقطة انطلاق الطريقة الأحمدية البدوية للانتشار بين ظهراني العثمانيين الأتراك.
يقول المقال الذي خصصه الموقع المشار إليه عن الكلام عن الحياة الصوفية في إسطنبول: «تعتبر تكية أبو رضا، التي أنشأها أبو رضا شيخ سيد محمد أفندي (المتوفى 1740) في حي باي أوغلو Beyoğlu، على حدود منطقتي قاسم باشا Kasımpaşa وقورتولوش Kurtuluş ، بمثابة مقر الطريقة البدوية في تركيا. ورغم محدودية ما نملكه من معلومات عن التاريخ المبكر لهذه التكية، فإننا نعرف أن صحاف أمين أفندي قد أعاد بناؤها في العام 1847».
تتابع المادة: «بعد تكية أبو رضا، أنشئت سبع تكيات أخرى لـ البدوية في إسطنبول خلال القرن التاسع عشر، هي: تكية حسيب أفندي في أوسكودار، وتكية عرب زاده في قاسم باشا، وتكية آغا شكاكان في قوجه مصطفى باشا، وتكية حسين أفندي في بيلرباي، وتكية أحمد أفندي في جينجيلكوي، وتكية التيمارية تيكي في بيلرباي، وتكية إسلام بك في منطقة جامع السلطان أيوب». ظلت الطريقة البدوية فاعلة في الحياة الروحية بتركيا حتى قيام الجمهورية التركية في العام 1923، والتي أمر مؤسسوها بإلغاء الطرق الصوفية وإغلاق التكايا بناء على اتهامهم لها بالتسبب في تخلف الجماهير التركية.
ولكن على الرغم من ذلك، فإن أيًا من هذه القرارات لم ينجح في انتزاع التصوف من قلوب الكثير من الأتراك، وبقي العديد من العائلات التركية على قناعاتها الصوفية السابقة، ما يفسر احتفاظ أسرة فاطمة الزهراء بالانتماء إلى الطريقة البدوية، وهو انتماء ضاعفت من أهميته، نسبة العائلة إلى السيد البدوي نفسه كما سبقت الإشارة. فاطمة الزهراء.. والملثم في حوارها مع (تركيا الآن)،
كشفت فاطمة الزهراء البدوية ل(تركيا الآن) عن الصلة الروحية العميقة التي تجمعها بالجد الأعلى، السيد أحمد البدوي. حيث أشارت إلى رزيارته لها في المنام في عبارات تكشف عن خبرة مع منامات أهل التصوف، وقالت: «الحمد لله، رأيت أشياءً كثيرة وأنا صغيرة، ولكني حينها لم أكن مدركة لذلك.. والأهم بالنسبة لي، ما رأيته وأنا في الثانية عشرة أو الثالثة عشرة من عمري في ليلة القدر.. لا أستطيع نسيان هذا مطلقًا.. لقد رأيت جدي السيد أحمد البدوي.. كنت أرتدي لباسًا أبيض، وفي يدي وعاء أبيض بداخله ماء نقي للغاية، أقدمه لجدي (السيد بدوي) الذي كان على وجهه بالطبع لثام (لقب السيد البدوي بالملثم وذي اللثامين، لحرصه الدائم على ارتداء اللثام على عادة أهل الصحراء المغربية).. لم يُظهر جدي وجهه مطلقًا، وقد أخذ من يدي الوعاء وشرب الماء.. ورويدًا رويدًا، رفع اللثام عن وجهه الذي رأيته لثانية واحدة».
منذ انفتاح وعيها، لقنت فاطمة الزهراء من الأعضاء الأكبر سنًا في الأسرة حكاية النسبة إلى السيد أحمد البدوي. وقد كشفت لـ (تركيا الآن) عن وثيقة تصديق على هذه النسبة، مختومة وموثقة من جامعة الأزهر في مصر، إلى جانب شجرة العائلة التي قالت عنها، كاشفة عن الطريق الذي يصل بينها وبين السيد البدوي: «جدنا الأكبر الذي عاش في العصر العثماني كان الشريف عبد الوهاب) .. وإليه ينتسب جدي العزيز سليمان». وكان تناقل هذه النسبة كابرًا عن كابر بين أفراد العائلة، سببًا في حرص أولئك الأخيرين على قصر التزاوج فيما بينهم، منعًا لاختلاط دماء الأسرة بغيرها، وضياع أصلها كما يعتقدون.
وإضافة إلى هذه القواعد الصارمة، فإن عائلة فاطمة الزهراء تزور مقام السيد البدوي في مصر كلما لاحت لها الفرصة. والبدوية اعتبرت في حوارها مع (تركيا الآن) أن سماح السيد البدوي لها وأسرتها بزيارته بصورته متكررة، يعد دليلا على حبه لهم، ورضائه عنهم. فتقول: «أشعر دائمًا أنه بجانبي، وأؤمن أنه يحبني كثيرًا، لو لم يكن هكذا، لما رأى أننا جديرون بأن نأتي وندعو له».
أما عن شعورها أمام ضريح السيد البدوي، والذي لم تكف عن لثمه وضمه إلى صدرها، فتقول: «ليس هناك تعريف لهذا الشعور.. كنت أشعر دائمًا بأن جدي في قلبي».
شاركنا بتعليقك
تقع المسؤولية الأدبية والقانونية للتعليقات والمساهمات المنشورة على الموقع، على صاحبها، ولا تعبر بأى شكل من الأشكال عن رأى إدارة الموقع